التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة 22 إلى ربها ناظرة 23 ووجوه يومئذ باسرة 24 تظن أن يفعل بها فاقرة 25}

صفحة 7190 - الجزء 10

  وذكر مشايخنا أن النظر يحتمل المعنيين: النظر والانتظار، ولا مانع من حمل الآية عليهما، فكأنه أراد أنه ينظر إلى ثواب معدٍّ له في الحال من أنواع النعم، وينتظر أمثالها حالاً بعد حال ليتم السرور؛ لأنه مع فقد أحدهما لا يتكامل.

  ومتى قيل: الانتظار يوجب الغم والحسرة؟ وكذلك قيل: الانتظار موت أحمر؟

  قلنا: إنما يكون كذلك إذا احتاج إليه في الحال ولا يصل إليه، فأما إذا حصل له في الحال جميع ما يحتاج إليه وينتظر مثلها حالاً بعد حال أبدًا، فلا يكون في غم وحسرة؛ بل به يتكامل السرور، وهذا كما نقول في الموائد المعدة للأكل يكون عليها ما يحتاج، وينتظر أمثالها. وقيل: إن الثواب لا يتجدد، ولكن يكون على نسق واحد؛ لأنه المستحق، فأما المزيد من فضله فيختلف فهم في فضل منه، ويتوقعون أمثاله من فضله حالاً بعد حال.

  ومتى قيل: إذا كان النظر بالعين حقيقة وفي الانتظار مجازًا، كيف يحمل عليهما؟

  قلنا: عند أبي علي والقاضي يجوز أن يرادا بعبارة واحدة؛ إذ لا تنافي بينهما، ولا بين إرادتهما، وعند أبي هاشم تكلم به مرتين، مرة أراد النظر، ومرة أراد الانتظار.

  «وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ» كالحة، عن مجاهد، وقتادة، وقيل: مسودة «تَظُنُّ» قيل: تعلم؛ لأنهم لا يشكون في حصول العذاب بل يعلمونه ضرورة، وقيل: يظنون حصولها جملة، ولا يعلمون تفاصيله، فالظن يتعلق بتفاصيله «أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ» قيل: داهية، عن مجاهد، وأبي عبيدة، وقيل: قاصمة الظهر، عن سعيد بن المسيب.

  وقيل: آبدة بدخول النار، عن ابن زيد. في قيل: منكرة من العذاب، عن الكلبي.

  · الأحكام: تدل الآية على أحوال المؤمنين وأحوال الكفار، وأن المؤمن ينتظر الثواب والرحمة، والكافر ينتظر حلول العقوبة بهم.

  ومتى قيل: هلا حملتم الآية على إثبات الرؤية على ما استدل به الخلق؟!