التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة 22 إلى ربها ناظرة 23 ووجوه يومئذ باسرة 24 تظن أن يفعل بها فاقرة 25}

صفحة 7191 - الجزء 10

  قلنا: لا لوجوه:

  أحدها: أنه ليس في الظاهر ما يدل على ذلك من وجوه:

  منها: أن في الآية النظر، والرؤية غير النظر، يقال: نظرت إلى الهلال فلم أره، ولو كان النظر هو الرؤية لكان مناقضة.

  ومنها: أن النظر ينقسم كما ذكرنا، والرؤية لا تنقسم.

  ومنها: أن النظر يحتمل النظر بالعين والانتظار وغيرهما.

  ومنها: أن النظر بمعنى الرؤية مجاز وتَوَسُّعٌ.

  ومنها: أن الوجوه لا تَرَى، ولا تكون ناظرة، وإذا أريد به صاحب الوجه، فهو مجاز.

  ومنها: أن (إلى) يحتمل أن يكون حرفًا واسمًا على ما بَيَّنَّا، وكل ذلك بَيَّنَ أنه لا تعلق للقوم بالظاهر.

  ومنها: أن عند القوم النظر لا يقتضي الرؤية، وإنما يوجب الإدراك، ولو خلق عضو آخر لكان به مدركًا.

  وثانيها: أن حقيقة النظر لا تجوز على الله تعالى؛ لأنه تقليب الحدقة نحو المرئي التماسا لرؤيته على ما بَيَّنَّا، وذلك يقتضي جهة له تعالى، وإذا علق النظر بما يستحيل تعلقه به فلا بد من تأويل.

  وثالثها: أن العقل والسمع دلَّا على أنه تعالى ليس بمرئي.

  أما السمع: فقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}⁣[الأنعام: ١٠٣] وهذا تمدح فيعم، وقوله: {لَنْ تَرَانِي}⁣[الأعراف: ١٤٣] وهو عام.

  وأما العقل: فلأنه لو صح عليه الرؤية لوجب أن نراه لاستحالة الموانع عليه، ولأن ما يرى بالحاسة لا بد من أن يكون في جهة، ولأن ما يكون مرئيًّا ويختص بإدراكه البصر فهو من جنس الألوان؛ ولأنه إما أن يرى على ما يعقل فيقتضي كونه جسمًا أو عرضًا، أو يرى على وجه لا يعقل فيلزم أن يصح أن يلمس ويسمع، ولجاز أن يرى بلا بصر.