التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا 1 إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا 2 إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا 3 إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا 4 إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا 5 عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا 6}

صفحة 7202 - الجزء 10

  رحم أمه إلى وقت الولادة «لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا» أي: لم يُذْكَرْ ولا يعرف، ولا يدرى من هو وما يراد به حتى ينقلب حيوانًا فيذكر ويعرف، وقيل: المراد به العلماء والأئمة؛ لأنهم كانوا لا يُذْكرون فبلغهم الله تعالى وصيرهم بألطافه بحيث يذكرون حيًّا وميتًا بين العوام والخواص، وقرئ هذه الآية عند عمر فقال: (ليتها تمت)، وعند ابن مسعود فقال: ألا ليت ذلك لم يكن.

  ثُمَّ بَيَّنَ تعالى كيف خلقه، فقال سبحانه: «إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ» قيل: ماء الرجل، وقيل: ماء الرجل وماء المرأة «أَمْشَاجٍ» أخلاط، قيل: من ماء الرجل والمرأة يختلطان في الرحم، فيكون منهما الولد، وماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا على ماء صاحبه كان الشبه له، عن ابن عباس، والحسن، وعكرمة، ومجاهد، والربيع بن أنس، وأبي علي. وقيل: أمشاجًا أطوارًا، طورًا نطفة، وطورًا علقة، وطورًا مضغة، وطورًا عظامًا إلى أن صار إنسانًا، عن قتادة، وقيل: أمشاجًا عروق النطفة، عن ابن مسعود، وأسامة بن زيد، وقيل: ألوان النطفة، نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة خضراء وحمراء، وهي مختلفة الألوان، عن ابن عباس بخلاف، والضحاك، ومجاهد، وعطاء، والكلبي، وقيل: أمشاجًا: من نطفة مشجت بدم، وهو دم الحيض، فإذا حبلت ارتفع الحيض، عن الحسن، وقيل: أمشاجًا أخلاطًا من الطبائع الأربع: الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة «نَبْتَلِيهِ» قيل: نتعبده أي: نعامله معاملة المختبر ليظهر المعلوم. وقيل: معنى «نَبْتَلِيهِ» أي: نتعبده بالأمر والنهي «فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا» قيل: جعلناه سميعًا يسمع الأدلة وبصيرًا يبصرها، وقيل: فيه تقديم وتأخير تقديره: جعلناه سميعًا بصيرًا لنبتليه؛ لأنه ما لم يجعله كذلك لا يصح الابتلاء، ويجوز أن يكون المعنى على هذا وإن لم يقدر فيه