التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا 19 وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا 20 عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا 21 إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا 22 إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا 23 فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا 24 واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا 25 ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا 26}

صفحة 7218 - الجزء 10

  وهم أهل الثواب يحلون بالديباج والحلي، وقيل: بل الغلمان يحلون بذلك، فينعم على أهل الجنة بهم وعليهم الحلي والثياب الفاخرة كمن يهب لغيره غلامًا وعليه ثياب فاخرة «ثِيَابُ سُنْدُسٍ [خُضْرٌ] وَإِسْتَبْرَقٌ» قيل: ثياب ديباج من ألوان مختلفة رقيق وغليظ، والإستبرق له غلظ الصفاقة، لا غلظ السلك، كغلظ الديبقي، وإن كان رقيق السلك، وإنما وصفه بالخضرة؛ لأنها أنضر الألوان وأحسنها «وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ» قيل: تارة يحلون بالذهب، وتارة يحلون بالفضة ليجمع المحاسن، وقيل: يجمع بينهما، وقيل: يحسن في الجنة أطراف الرجال وألوانهم حتى تحسن عليهم الحلي والديباج. وقيل: عادة الدنيا إذا رضي من عبده في فعل أمر به أن يطرفه ويسوره، ويخلع عليه الثياب الفاخرة، وكذلك الملوك يفعلون ذلك، فوعدهم في الجنة ما عرفوه في الدنيا، عن أبي مسلم. «وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا» يعني طاهرًا لا يخالطه نجس، ولا يعتوره فساد، ولا دنسه شيء، بخلاف أشربة الدنيا، قد طهره الله في الجنة لتخلص به اللذة. وقيل: طهورًا لا ينقلب إلى البول؛ بل يفيض من أعراقهم كريح المسك، عن أبي قلابة، وإبراهيم التيمي. وقيل: يطهرهم من الذنوب والأنجاس وترشحهم الجنة. واختلفوا في هذه الإضافة وسقيهم. قيل: سقاهم الملائكة بأمره. وقيل: سقاهم ربهم بغير واسطة بأن خلق لهم ذلك وأعطاهم وجعله سقياهم «إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً» قيل: ما تقدم من النعم كان لكم مكافأة على أعمالكم الحسنة وطاعاتكم لله تعالى «وَكَانَ سَعْيُكُمْ» أعمالكم وطاعاتكم «مَشْكُورًا» أي: مقبولًا مرضيًّا، فجازاكم بها على ما استحققتموه بأعمالكم. وقيل: الشكر فعل حسن في مقابلة مثله، فجعل الله تعالى إثابته إياه على طاعته شكرًا له توسعًا ومجازًا.

  ثم بَيَّنَ تعالى أن جميع ما تقدم من الوعد وعده هو أنزله، فقال سبحانه: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا» قيل: أنزل آية بعد آية، ولم ينزله جملة، عن ابن عباس. وقيل: تنزيلًا مصدر ذكره تأكيدًا، عن أبي علي. «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ» تثبيت لقلبه، وشرح لصدوه، وأمره بالصبر وإن كُذِّب فيما أتى به، ووعيد لمن كذبه،