قوله تعالى: {إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا 27 نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا 28 إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا 29 وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما 30 يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما 31}
  قيل: خلف ظهورهم العمل للآخرة. وقيل: وراءهم أمامهم للآخرة، وكلاهما يحتمل، والأول أظهر «يَوْمًا» أي: يوم القيامة «ثَقِيلاً» على أهل العذاب «نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ» قيل: خلقهم، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، ومقاتل، من قولهم: أسر هذا الرجل فأحسن أسره، أي: خلق فأحسن خلقه، أي: شد بعضه إلى بعض أحسن الشد. وقيل: الأسر المفاصل، عن أبي هريرة. وقيل: أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب، عن الحسن. وقيل: شد بعضها إلى بعض، ولولا إحكامه على هذا الترتيب لكان تتزايل وما أمكن العمل بها ولا الانتفاع، عن الربيع. وقيل: الأسر القوة، عن ابن زيد، أي: تبعناهم حال القوة. وقيل: شددنا أسرهم أي: جعلناهم أقوياء، عن أبي علي. وقيل: كلفناهم فشددناهم بالأمر والنهي، كما يشد الأسير كيلا يهرب، كذلك المكلف شددنا بالأمر والنهي كيلا يجاوز حد الله «وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا» يعني ليس تبقيتهم على كفرهم لعجز أو حاجة إليهم؛ إذ لو أراد تعالى تبديلهم بغيرهم ممن كان أطوع لقدر، ولكن يبقيهم إتمامًا للحجة. وقيل: أراد تبديل القوة بالضعف والنعمة بالزوال، أي: لو أردنا ذلك فعلناه فلا تغتروا «إِنَّ هَذِهِ» قيل الرسالة التي تبلغها، وقيل: هذه السورة، عن قتادة. وقيل: الجنة وما وصف من أحوالها «تَذْكِرَةٌ» أي: عظة ليتذكر بها أمر الآخرة «فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا» أي: أزحنا العلة بالقدرة والآلة، فمن شاء سلك الطريق المؤدي إلى رضا ربه وكرامته. وقيل: طريقًا إلى رضا ربه بالطاعة والانتهاء عن المعصية، عن قتادة. «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ» قيل: لا تشاءون الطاعة والانقياد واتخاذ الطريق إلى مرضاته إلا وقد شاء الله من قبل حين أمر به، ووعد عليه، ونهى عن تركه، وأوعد عليه، عن أبي علي. وقيل: أنتم لا تشاؤون ذلك اختيارًا إلا أن يشاء الله أن يجبركم عليه، ويضطركم إليه فحينئذ تشاؤون، ولكن لا ينفعكم ذلك، والتكليف زائل والأمر والنهي ساقط، ولم يشأ الله تعالى هذه المشيئة، وإنما أراد أن يختار الإيمان ليستحقوا الثواب، عن أبي مسلم. «إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا» أي: عليم بأنهم لا يؤمنون، ولو أرادوا لآمنوا، الحكيم في تكليفهم لم يكلفهم شططًا، ولا شيئًا لا يقدرون عليه. وقيل: وما