التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن للمتقين مفازا 31 حدائق وأعنابا 32 وكواعب أترابا 33 وكأسا دهاقا 34 لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا 35 جزاء من ربك عطاء حسابا 36 رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا 37 يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا 38 ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا 39 إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا 40}

صفحة 7256 - الجزء 10

  الروح: بنو آدم، عن الحسن، وقتادة، وقيل: أرواح بني آدم مع الملائكة بين النفختين قبل رد الأرواح إلى الأجساد «صَفًّا» أي: واقفة صفًا «لاَ يَتَكلَّمُونَ» أي أحد منهم «إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا» وليس في الظاهر أنهم لا يتكلمون بهذا، ويؤذن لهم فيما ذكر، وقيل: الذي يؤذن لهم فيه لا إله إلا الله، وقيل: أن يتكلم بحق، وهو التوحيد والعدل، وما عمل في الشرع، وقيل: يؤذن لمحمد ÷ في الشفاعة، والأول أقرب؛ لأن المتكلم والممنوع واحد في الظاهر «ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ» قيل: ذلك اليوم الذي وعد الله به حق، أي: كائن ثابت لا محالة، وقيل: ذلك اليوم الذي يكون الحق لا باطل فيه، بخلاف أيام الدنيا، وقيل: الوعد به حق «فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ» بالطاعة «إِلَى رَبِّهِ» أي: رضائه والموضع الذي يحبهم فيه «مَآبًا» قيل: معقلًا، عن ابن عباس، وقيل: مرجعًا، عن سفيان، وقيل: سبيلًا إلى طاعته «إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ» خوفناكم «عَذَابًا قَرِيبًا» قيل: يوم القيامة لقوله: {[وَنَرَاهُ] قَرِيبًا}⁣[المعارج: ٧] عن أبي علي، وقيل: القتل ببدر «يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ» قيل: ينتظر جزاء ما قدمت يداه، أي: يجازى به، وقيل: يرى جميع ما قدم من أعماله، الخير والشر، الصغير والكبير، محفوظًا مكتوبًا مُجَازَى عليه، فعند ذلك يقول الكافر لما يرى من أعماله القبيحة، وما أعد الله له من العذاب: «يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا» قيل: كما كنت قبل البعث، وقيل: متى وفر الله الأعواض على الحيوانات غير المكلفة وانتصف المظلوم من الظالم صيرهم ترابًا، فيتمنى الكافر مثل ذلك؛ ليستريح من العذاب، عن عبد الله بن عمر، ومجاهد، ومقاتل، ومن يقول بدوام الأعواض يقول: يحشرها، فإذا وفر الأعواض حسن الله بعضها، فيتلذذ أهل الجنة بالنظر إليها، ويصير بعضها في النار غير معاقبين، فيكون عقوبة لأهل النار كالحيات والعقارب. وقيل: الكافر: إبليس عاب آدم أنه من تراب، وافتخر بالنار، ويوم القيامة إذا رأى كرامة الله مع المؤمنين قال: ليتني كنت ترابًا، قال أبو هريرة: يقول التراب للكافر: لا، ولا كرامة لك من جعلك مثلي.