التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها 27 رفع سمكها فسواها 28 وأغطش ليلها وأخرج ضحاها 29 والأرض بعد ذلك دحاها 30 أخرج منها ماءها ومرعاها 31 والجبال أرساها 32 متاعا لكم ولأنعامكم 33 فإذا جاءت الطامة الكبرى 34 يوم يتذكر الإنسان ما سعى 35 وبرزت الجحيم لمن يرى 36}

صفحة 7274 - الجزء 10

  جعلها محكما متصرفا للملائكة «وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا» أي: أظلم ليلها، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد، وإنما أضاف الظلام والضياء إلى السماء؛ لأن منها ينشأ الظلام والضياء، لطلوع الشمس وغروبها على ما قدره الله تعالى. «وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا» قيل: نورها، عن مجاهد، والسدي، كقوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}⁣[القلم: ١٣]، قال الشاعر:

  فَقَلْتُ لَهَا فِيئِي إِليْكِ فَإِنِّني ... حَرَامٌ وَإِنِّي بَعْدَ ذَاكِ لَبِيبُ

  أي: مع ذلك.

  وقيل. خلق الْأَرْض أولاً من غير دحو قبل السماء، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}⁣[البقرة: ٢٩] ثم دحا الأرض بعد ذلك، عن ابن عباس، وقيل: دحيت الأرض من تحت البيت، يعني الكعبة، وكان خُلقِ قبل الدنيا بألفي عام، عن ابن عباس، وعبد الله بن عمر، وقيل: (بعد) بمعنى (قبل): كقوله: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ}⁣[الأنبياء: ١٠٥] أي: من قبل الذكر، وهو القرآن، قال الشاعر:

  حَمِدْتُ إِلَهِي بَعْدَ عُرْوَةَ إِذْ نَجَا ... خَرَاشٌ وبَعْضُ الشَّر أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ

  وخراش نجا قبل عروة على ما روته الرواة.

  «أَخْرَجَ مِنْهَا» من الأرض «مَاءَهَا» الذي به حياة كل شيء من الحيوانات والأشجار، والنبات، والحبوب، وبه يحصل جميع الأرزاق «وَمَرْعَاهَا» المرعى: العشب ونحوها، فَبيَّنَ جميع المنافع المتعلقة بالأرض تنبيها على أن لها صانعا، ومدبرا، وأنه أنعم بها، ويجب له الشكر «وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا» أثبتها «مَتَاعًا لَكُمْ» أي: تنتفعون بها وبما يخرج منها مأكولا ومشروبا وملبوسا وزينة، وكذلك المنفعة بالجبال لما فيها من أنواع المعادن، وما يتفجر منها من العيون «وَلِأَنعَامِكُمْ» يعني: منفعة لأنعامكم، وهو العشب.

  ولما دل بهذه الأشياء على أنه قادر على البعث، وصف يوم البعث فقال سبحانه: