قوله تعالى: {فأما من طغى 37 وآثر الحياة الدنيا 38 فإن الجحيم هي المأوى 39 وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى 40 فإن الجنة هي المأوى 41 يسألونك عن الساعة أيان مرساها 42 فيم أنت من ذكراها 43 إلى ربك منتهاها 44 إنما أنت منذر من يخشاها 45 كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها 46}
  أن نفسه تدعوه إليها وهواه، فكأنه بالامتناع نهى عن ذلك، فذكر النهي توسعا «فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى» أي: مصيره «يَسْأَلُونَكَ» يا محمد «عَنِ السَّاعَةِ القيامة «أَيَّانَ مُرْسَاهَا» أي: متى يثبت أمرها بقيامها، وإنما سألوا قيل: تكذيبًا، وقيل: إيهامًا لأتباعهم أنما يَعِدُ به باطل «فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا» قيل: ليس عندك عِلْمٌ بوقتها، ومتى يكون، وإنما علمك أنها تكون لا محالة، عن الحسن، وقيل: ليس هذا مما يتصل بما بُعِثْتَ لأجله، إنما بُعِثْتَ داعيًا، وقيل: «فيم» تم الكلام، أي: في ماذا سؤالهم عما لا يعنيهم؟ ثم ابتدأ فقال: «أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا» أي: من أعلامها، فإنك خاتم الأنبياء «إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا» يعني منتهى علمها، أي: لا يعلم وقتها إلا هو، عن الحسن، أي: انتهى علمها إليه فقط، وقيل: إلى ربك منتهى أمرها بإقامتها؛ لأنه لا يقدر عليه إلا الله «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ» مُخَوِّفُ «مَن يَخْشاهَا» يعني: يخشى القيامة، وخصهم بذلك؛ لأنهم ينتفعون به، فكأنه المنذر لهم دون غيره، قيل: صغرت الدنيا في أعين القوم حتى رأوا الآخرة، عن قتادة «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا» قيل: أراد أهوال القيامة، وما دفعوا إليه من العذاب، كأن لم يلبثوا إلا ساعة، وقيل: تذهلهم تلك الأهوال عن التفكر في أيام الدنيا وساعاتها فيرونها ساعة، وقيل: في جنب الآخرة يرون الدنيا ساعة، فيستقصرون أيام الدنيا، ويعظمون الآخرة، وقيل: استقلوا الدنيا؛ لأنها عندهم كأحلام نائم، وقيل: أراد لبثهم في القبور «إِلَّا عثِسيَّةً أَوْ ضُحَاهَا» أي: حد ساعتي النهار، إما ضحوة وإما عشية مساء.
  · الأحكام: تتضمن الآيات أحكامًا:
  منها: تبيين حال المطيع من حال العاصي، وأن الجنة تنال بالطاعة، والنار تستحق بالمعاصي، على ما يقوله، خلاف ما يقوله أهل الجبر.
  ومنها: أن من آثر الدنيا وعمل لها غافلا عن الآخرة فقد ارتكب أمرا قبيحًا.