التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {في صحف مكرمة 13 مرفوعة مطهرة 14 بأيدي سفرة 15 كرام بررة 16 قتل الإنسان ما أكفره 17 من أي شيء خلقه 18 من نطفة خلقه فقدره 19 ثم السبيل يسره 20 ثم أماته فأقبره 21 ثم إذا شاء أنشره 22 كلا لما يقض ما أمره 23}

صفحة 7287 - الجزء 10

  يعني: أيّ شيء أوجب أن يكفر؟ عن مقاتل، والكلبي. وقيل: ما الذي أكفره ودعاه إلى الكفر مع شواهد التوحيد وكثرة نعمه تعالى عليه؟، كأنه قيل: ليس هاهنا شيء يدعو إلى الكفر، ويوجبه. وقيل: هو تعجيب؛ أي: عجبًا منه وكفره مع كثرة الشواهد للتوحيد والإيمان! وقيل: فيه إشارة إلى أنه معاند، وإلا فما الذي أوجبه كفره. «مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» أي: كفر نعمه عليه في خلقه، كأنه لا يعلم أنه خلقه من أي شيء.

  ثم بَيَّنَ من أي شيء خلقه، فقال سبحانه: «مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ» وهو ماء الرجل والمرأة، وخلقه أوجده. «فَقَدَّرَهُ» أي: على حد معلوم في طوله، وعرضه، وبصره، وحواسه، وأعضائه، وفي عمره، ورزقه، وجميع أحواله. وقيل: «فَقَدَّرَهُ» أي: نقله من حال إلى حال حتى صار إلى حال الكمال. وقيل: قدره أحسن التقدير. «ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ» أي: سهل له الطريق، قيل: طريق خروجه من بطن أمه، عن ابن عباس، وقتادة، والسدي، والأصم. وقيل: طريق الخير والشر، بَيَّنَ له ذلك، وخَيَّرَهُ، وسهل له العلم، ومكنه من الخير واجتناب الشر، ونظيره: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}⁣[البلد: ١٠] عن مجاهد. وقيل: سبيل الخير، عن الحسن. وقيل: سبيل الإسلام، عن ابن زيد؛ لأنه عُرِّفَ بالألف واللام، ودين الله هو المعروف. «يَسَّرهُ» قيل: بصره طريق الهدى والضلال، عن الحسن. وقيل: سهل له الطريق في أمور الدين والدنيا، عن أبي مسلم. «ثُمَّ أَمَاتَهُ» قيل: خلق الموت فيه. وقيل: أزال حياته «فَأَقْبَرَهُ» قيل: صيره بحيث يقبر، وجعله ذا قبر، عن أبي مسلم. وقيل: جعله مقبورًا، ولم يجعله ممن يلقى إلى السباع والطير، عن الفراء. وقيل: أمر بأن يقبر، عن أبي عبيدة. وقيل: أضاف الإقبار إلى نفسه؛ لأنه خلق الأرض التي يقبر فيها، وأمر بأن يقبر. «ثمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ» أحياه بعد موته للجزاء، وعلق بالمشيئة؛ لأنه يبعثهم متى شاء. وقيل: لإبانة القدرة، يعني أنه قادر على بعثهم متى شاء «كَلَّا» رد على هذا الكافر، أي: ليس الأمر كما ظن. وقيل: حَقًّا، عن الحسن. وقيل: إنه بمعنى الصلة لتأكيد الكلام. «لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ» أي: لم يفعل ما أمره الله من طاعته وعبادته، وقضى الشيء: الفراغ منه على التمام، يعني أنه تعالى خلقه وبلغه حال التكليف، وأكمل نعمه عليه، ثم أمره تعريضًا للثواب الدائم، ويسر السبيل، فلم يفعل ما أمر. وقيل: هذا تعجيب منه؛ أي كيف خالف أمره مع كثرة نعمه.