التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلا أقسم بالخنس 15 الجوار الكنس 16 والليل إذا عسعس 17 والصبح إذا تنفس 18 إنه لقول رسول كريم 19 ذي قوة عند ذي العرش مكين 20 مطاع ثم أمين 21 وما صاحبكم بمجنون 22 ولقد رآه بالأفق المبين 23 وما هو على الغيب بضنين 24 وما هو بقول شيطان رجيم 25 فأين تذهبون 26 إن هو إلا ذكر للعالمين 27 لمن شاء منكم أن يستقيم 28 وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين 29}

صفحة 7305 - الجزء 10

  واستحقاقه التعظيم «ذِي قُوَّةٍ» أي: ذي قدرة، قيل: في العلم والعمل، وتبليغ الرسالة، وقهر الأعداء، وقيل: بلغ من قوته أنه قلع ديار قوم لوط بقوادم جناحه حتى بلغ بها السماء ثم قلبها «عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ» أي: عند رب العرش وخالقه رفيع المنزلة، عظيم القدر، كما يقال: فلان مكين عند السلطان، والمكانة القرب «مُطَاعٍ ثَمَّ» قيل: في السماء، وهو جبريل تطيعه ملائكة السماء، وقيل: محمد مطاع في الأرض «أَمِينٍ» لا يخون في شيء «وَمَا صَاحِبُكُمْ» يعني: محمدا صلى الله عليه وعلى آله «بِمَجْنُونٍ» كما كانوا يزعمون «وَلَقَدْ رَآهُ» يعني: أن محمدا رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها «بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ» وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق الذي يجيء منه النهار، عن الحسن، وقتادة، ومجاهد، وعن ابن عباس أن النبي ÷ قال لجبريل: «إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون في السماء»، فواعده عرفات، فخرج النبي، ÷، فإذا هو بجبريل أقبل من جبال عرفات ملأ ما بين المشرق والمغرب ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض، فخر مغشيًّا عليه، فتحول جبريل إلى صورته، وضمه إلى صدره، والمبين الواضح، كأنه رآه عيانًا نهارا «وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيبِ» أي: على الوحي «بِظَنِينٍ» بالظاء أي: ليس بمتهم فيما يقول، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وإبراهيم، والضحاك. وبالضاد قيل: ليس ببخيل فيما يؤدي، وقيل: ليس بضعيف، وقيل: كان يقال له قبل الوحي: محمد الأمين. «وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيطَانٍ» أي: ليس بكذب يأتي به الشيطان، وقيل: لا يأتي به الشيطان كما تزعم العرب في الكهنة «رَجِيمٍ» رجمه الله باللعنة، أي: رماه، عن الحسن. وقيل: رجم بالشهب طردًا من السماء «فَأَينَ تَذْهَبُونَ» أي: إلى أين تذهبون عن الحق الذي ظهر أمره وبدت أعلامه إلى الضلال الذي فيه البوار؟ وقيل: فأي طريقٍ تسلكون أَبْيَن مما بينه لكم؟ وقيل: إلى أين تعدلون عن هذا القول، وهو الشفاء والهدى؟ وقيل: معناه: ليس ما تذهبون إليه مذهب حق، فلماذا تذهبون فيه؟! وقيل: أين يذهب بكم يمينًا وشمالاً وهذه