التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إذا السماء انفطرت 1 وإذا الكواكب انتثرت 2 وإذا البحار فجرت 3 وإذا القبور بعثرت 4 علمت نفس ما قدمت وأخرت 5 ياأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم 6 الذي خلقك فسواك فعدلك 7 في أي صورة ما شاء ركبك 8 كلا بل تكذبون بالدين 9 وإن عليكم لحافظين 10 كراما كاتبين 11 يعلمون ما تفعلون 12}

صفحة 7311 - الجزء 10

  · المعنى: «إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ» أي: انشقت وتقطعت، وقيل: انشقت لنزول الملائكة «وِإذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ»: تساقطت «وَإذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ» قيل: فجر بعضها في بعض، عَذْبُها في مالحها، ومالحها في عذبها، فصارا بحرًا واحدا، عن قتادة، وأبي علي، وقيل: ذلك لرفع الحاجز الذي [جعله] الله برزخا بأن ينفذ من البحار في بعض حينئذ يصير الكل بحرا واحداً، لزلزلة الأرض، عن أبي علي، وقيل: ذهب ماؤها، عن الحسن، وقيل: ملئت، عن الكلبي، وقيل: تصير الأرض كلها ماء، فلا يرى بها أثر «وِإذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ» بحثت، عن ابن عباس، وقيل: كشفت عما فيها، وأخرجوا منها، عن أبي علي، وأبي مسلم، وقيل: قلب ترابها واستخرج ما فيها من الكنوز والموتى، وكل ذلك من أشراط الساعة «عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ» قيل: عرف كل أحد جزاء أعماله، عن أبي علي، كأنه قيل: ما أخذت، وتركت تستحق به الجزاء بما كان في أول عمره وآخره، عن أبي مسلم، وقيل: ما قدمت من عمل، وأخرت من سُنَّةٍ سنها يُعْمل بها، عن القرظي، وقيل: ما قَدَّمَتْ من طاعة أو تركت، عن ابن عباس، وقتادة، وقيل: ما قَدَّمَتْ وأخرت من إحسان أو إساءة إذا قرأ كتابه وجدها محفوظة فيه، وقيل: ما قَدَّمَتْ من فريضة أداها، وأخرت من فريضة تركها، عن عكرمة، وقيل: ما قَدَّمَتْ من الأعمال، وأخرت من المظالم، وقيل: ما قَدَّمَتْ من الصدقات والإنفاق في أعمال البر، وأخرت من التركة للورثة، وقيل: قَدَّمَتْ من سقط، وأخرت من ولد صالح يدعو له، وهذا جواب: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}، واختلفوا كيف يعلم؟

  قيل: يخلق الله فيه العلم حتى ينظر إليه، وقيل: يتذكر بقراءة كتابه ويعلم.

  ثم خاطب العصاة توبيخًا لهم، فقال سبحانه: «يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ» قيل: ما الذي جرأك عليه بغرورك حتى عصيته؟ وقيل: مَا الذي خدعك حتى اختدعت عن عبادة الله؟ عن الأصم، وقيل: ما الذي أداك إلى الاغترار بِاللَّهِ حتى آثرت شهوات الدنيا وغضب اللَّه، وتبعت شياطين الإنس والجن؟ والغزارات كثيرة:

  منها: الشيطان بوسوسته.