قوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم 13 وإن الفجار لفي جحيم 14 يصلونها يوم الدين 15 وما هم عنها بغائبين 16 وما أدراك ما يوم الدين 17 ثم ما أدراك ما يوم الدين 18 يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله 19}
  المؤمنين، العاملين البر «لَفِي نَعِيمٍ» في الجنة، وقيل: في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا في رضا الله، والقناعة بما آتاه، وأما في الآخرة في الجنة، ونظير ذلك: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل: ٩٧]، «وَإِنَّ الْفُجَّارَ» العصاة، المرتكبين الكبائر «لَفِي جَحِيمٍ» في النار، والفجور: اسم للعصيان، يقال للزاني: فاجر «يَصْلَوْنَهَا» أي: يلازمونها للتعذيب، وقيل: يصيرون صلاها، أي: حطبها، عن أبي مسلم. «يَوْمَ الدِّينِ» أي: يوم الجزاء، وهو يوم القيامة «وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ» بموت ولا خروج.
  ثم عَظَّم أمر القيامة، فقال سبحانه: «وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ» قيل: كرر تأكيدًا وتفخيمًا لشأنها، كما يقال: إياك إياك، وقيل: أراد ما أدراك ما في يوم الدين من النعيم لأهل الجنة، وما أدراك ما في يوم الدين من العذاب لأهل النار، وليس فيه تكرار، عن أبي علي. «يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيئًا» أي: لا يملك أحد لغيره نفعًا ولا ضرًّا؛ لأن الأمور كلها إليه تعالى «وَالأمرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ» أي: لا ينفذ لأحد أمر غيره.
  ومتى قيل: فشفاعة النبي ÷ يجب ألا تصح؟
  قلنا: ذلك يكون بأمره تعالى، ومن تدابيره.
  ومتى قيل: الأمر كله له في الدارين، فما معنى التخصيص؟
  قلنا: في الدنيا قد مَلَّكَ غَيْرَهُ أشياء من الأمر والملك، تنزع جميعها يوم القيامة، وقيل: لأن الجزاء لا يقدر عليه أحد سواه.
  · الأحكام: يدل قوله تعالى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} الآية، على قولنا في الوعيد من جهات:
  أحدها: أنه فصل بين البَرِّ والفاجر، فدل أن الفجار ليسوا من الأبرار، خلاف قول المرجئة.