التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم 224}

صفحة 900 - الجزء 1

  · المعنى: قيل: لما بَيَّنَ تعالى أحوال النساء، وما يحل منهن عقبه بذكر الإيلاء، وهو اليمين التي تحرم الزوجة، فابتدأ بذكر الأيمان، وفيه مع ذلك بيان شريعة من شرائع الإسلام فقال تعالى: «وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ» فيه ثلاثة أقوال: أي عذرًا وعلة، كأنه قيل: لا تتخذوا اليمين علة مانعة من البر من حيث تحلفون لتعتلوا بها، وتقولوا: حلفنا بِاللَّهِ، ولم تحلفوا، عن الحسن وطاووس وقتادة، وأصله في هذا الوجه الاعتراض، الذي هو المانع بينكم وبين البر والتقوى.

  الثاني: عرضة أي حجة، أي لا تجعلوا اليمين بِاللَّهِ حجة في المنع من البر والتقوى بأن يكون قد سلف منكم يمين، ثم يظهر أن غيرها خير منها، فافعلوا الذي هو خير، ولا تحتجوا بما سلف من اليمين، عن ابن عباس ومجاهد والربيع، وأصله في هذا والأول واحد، بأنه منع من جهة الاعتراض بحجة.

  الثالث: عرضة أي عدة مبتذلة يعني لا تجعلوا اليمين بِاللَّهِ مبتذلة وعِدَةً في كل حق وباطل، أن تبروا بالحلف بها، وتتقوا المأثم فيها، عن عائشة وأبي علي والأصم وأبي مسلم. قال أبو مسلم: ومن أكثر ذكر شيء في معنى فقد جعله عرضة له، تقول: جعلتني عرضة لِلَوْمِك. قال الشاعر:

  ولا تجعلوني عرضةِ للَّوائِمِ

  وأصله على هذا معترض بالتبذل، أي: لا تبتذل يمينك في كل شيء، وتقديره على الوجه الأول والثاني: لا تجعلوا اللَّه مانعًا من البر والتقوى باعتراضكم به حالفًا، وعلى الثالث: لا تجعلوا الله مما يحلف به دائمًا.