التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى 1 الذي خلق فسوى 2 والذي قدر فهدى 3 والذي أخرج المرعى 4 فجعله غثاء أحوى 5 سنقرئك فلا تنسى 6 إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى 7 ونيسرك لليسرى 8}

صفحة 7376 - الجزء 10

  على ما بَيَّنَّا، فإن حمل على الخبر فهو معجزة له، وإن حمل على النهي أي: لا تتعرض للنسيان «إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ» أن تنساه، رَفَعَ حُكْمَهُ وتلاوته، عن الحسن، وقتادة. وقيل: لا تترك العمل به إلا ما شاء الله أن ينسخه، وقيل: كان يقرأ جبريل عليه سورة طويلة فيحفظه، ولا ينساه، وهذا إشارة إلى معجزة عظيمة، وقيل: «لا تنسى» أي: واظب على القراءة، ولا تتعرض للنسيان بترك القراءة، فتنساه أو بعضه، عن أبي - علي. «إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ» أن ينسخه وتنسى، عن الحسن، وقتادة، وأبي علي. وقيل: إلا ما تنسى مما يقتضيه إنسيتك فارجع إلى الله تَعالى وتعوذ من الشيطان لِتَذَكُّرِهِ، لقوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}⁣[الكهف: ٢٤] عن أبي مسلم. وقيل: (لا) بمعنى (ليس)، أي: لست تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه، وهو إشارة إلى إعجازه، وقيل: التكليف مشروط بالذكر، فمعناه: إلا ما شاء الله مما لم يكلفك القيام به، وقيل: إلا ما شاء الله أن تنسى، وقد شاء ألا تنسى فلن تنسى، وقيل: إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله، وقيل: الاستثناء في هذا أنه لم يشأ النسيان، يعني لم تقع مشيئة النسيان، فنظيره: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}⁣[هود: ١٠٧] في معنى قول الفراء «إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى» قيل: يعلم الجهر من القول والفعل وما يخفى، فأراد سائر الأشياء، وقيل: يعلم إعلان الصدقة وإخفاءها، وقيل: يعلم ما تقرأ سرًّا وجهرًا؛ لأن ما تقدم في ذكر القرآن «وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى» قيل: نُهَوِّنُ عليك الوحي، ونسهِّله حتى تحفظه، ولا تنساه، وتعمل به، ولا تخالفه، ونوفقك للشريعة اليسرى، وهي الحنيفية، فيتصل بما تقدم من ذكر القرآن، وقيل: نسهلك بالألطاف وتأييد ما يثبتك على أمرك، ويسهل لك المستصعب من تبليغ الرسالة والصبر عليه، عن أبي مسلم. وهذا أحسن ما قيل فيه؛ لأنه يتصل بقوله: «سَنُقْرِئُكَ» كأنه أمره بالتبليغ ووعده النصر وأمره بالصبر، وقيل: نيسر لك دخول الجنة، واليسرى الجنة، عن أبي علي. وقيل: نعينك على ما أمرناك حتى يسهل عليك الخطب، ذلك الأفضل والأولى.