قوله تعالى: {فذكر إن نفعت الذكرى 9 سيذكر من يخشى 10 ويتجنبها الأشقى 11 الذي يصلى النار الكبرى 12 ثم لا يموت فيها ولا يحيى 13 قد أفلح من تزكى 14 وذكر اسم ربه فصلى 15 بل تؤثرون الحياة الدنيا 16 والآخرة خير وأبقى 17 إن هذا لفي الصحف الأولى 18 صحف إبراهيم وموسى 19}
  فيستريح «وَلاَ يَحْيَا» حياة ينتفع بها.؛ بل صارت حياته وبالاً عليه، فهو يتمنى زوالها، وقيل: لا يحيا: لا يجد روح الحياة «قَدْ أَفْلَحَ» أي: ظفر بالبغية والمنى «مَنْ تَزَكَّى» قيل: صار زاكيًا بالأعمال الصالحة والورع، عن ابن عباس، وأنس، وقتادة. وقيل: تطهر من الشرك فقال: لا إله إلا الله، عن عطاء، وعكرمة. وقيل: أدى زكاة ماله، عن ابن مسعود، وأبي الأحوص، وكان ابن مسعود يقول: رحم الله امرأ تصدق ثم صلى، ثم يقرأ هذه الآية. وقيل: «صدقة الفطر وصلاة العيد»، عن ابن عمر، وأبي العالية، وروي ذلك مرفوعًا.
  ومتى قيل: على هذا القول كيف يصح ذلك، والسورة مكية، ولم يك ثَمَّ صلاة عيد ولا زكاة فطر؟
  قلنا: يحتمل أنها نزلت بمكة وتختم بالمدينة، ويحتمل - والله أعلم - أن الآية نزلت بالمدينة، ونحن نراعي مطلق اللفظ، فنحمله على سائر الصدقات والصلاة.
  «وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» قيل: الصلاة المكتوبة، وقيل: المراد به الدعاء، وقيل:
  صلى صلاة المخلصين لا صلاة المنافقين، وقيل: خص الصلاة من بين سائر العبادات تفخيمًا لشأنها وموضعها من الدين، وقيل: «تزكى: شهد أن لا إله إلا الله وخلع الأنداد، وشهد أن محمدًا رسول الله، وصلى الصلوات الخمس»، روي مرفْوعًا، وقيل: تزكى: طهر نفسه بالأعمال الزاكية، وذكر الله، وصلى مخلصًا، وذكر اسم ربه: فاز بالمطلوب، عن أبي مسلم. وهذا هو الوجه؛ لأنه يشتمل على جميع ما تقدم، ولأنه بمجموع ذلك يصير زاكيًا لا ببعضه.
  ثم بعد الأمر بالطاعات خاطب الكفار، فقال: «بَلْ تُؤْثِرُونَ» تختارون «الْحَيَاةَ الدُّنْيَا» فتعملون لها، وتعمرونها، ولا تتفكرون في أمر الآخرة «وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبْقَى»؛ لأن نعيم الدنيا قليل وينقطع، ومشوب بكل منغص، فلا يبقى على حاله، والآخرة دائمة النعيم خالصة من كل مشوب «إِنَّ هَذَا» قيل: أراد جميع السورة، وما نص فيها، عن قتادة. وقيل: أراد قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} إلى آخر السورة، عن الكلبي. وقيل: يعني قوله: «وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى»، عن ابن زيد. وقيل: هذا القرآن، عن الضحاك.
  وقيل: ما وعظكم به وبينه لكم لتؤثروا الآخرة على الدنيا، عن أبي علي. وقيل: معناه: هذا الذي ذكرناك ووعظناك به، والترغيب في الطاعة، والنهي عن المعصية،