التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فيها عين جارية 12 فيها سرر مرفوعة 13 وأكواب موضوعة 14 ونمارق مصفوفة 15 وزرابي مبثوثة 16 أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت 17 وإلى السماء كيف رفعت 18 وإلى الجبال كيف نصبت 19 وإلى الأرض كيف سطحت 20 فذكر إنما أنت مذكر 21 لست عليهم بمصيطر 22 إلا من تولى وكفر 23 فيعذبه الله العذاب الأكبر 24 إن إلينا إيابهم 25 ثم إن علينا حسابهم 26}

صفحة 7392 - الجزء 10

  الطنافس، عن ابن عباس. «مَبْثُوثَةٌ» قيل: مبسوطة، وقيل: مفرقة في المجالس «أَفَلَا يَنْظُرُونَ» يتفكرون «إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» وكيف قدرها الله، وما فيها من المنافع، وقيل: الإبل: السحاب، وليس له أصل في اللغة، فلا يجوز حمل الكلام عليه «وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ. وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» أي: بسطت، ومنه: السطح والمسطوح، فبين أنهم لو تفكروا في السماء مع عظمها ورفعها لا على عمد وزينها بالنجوم، وفي الأرض بسطها مع ثقلها لا على مكان، ثُمَّ ما خلق فيها من الحياة والنعم، وإلى الجبال بما فيها من المنافع والمعادن، لعلموا أن لجميع ذلك صانعًا صنعه ومحدثا أحدثه.

  ولما ذكر الأدلة أمر النبي بالتذكير، فقال سبحانه: «فَذَكِّرْ» قيل: ذكرهم هذه الأدلة، ومُرْهُمْ بالاستدلال بها، ونَبِّهْهُمْ عليها، عن أبي علي، وأبي مسلمِ. وقيل:

  ذكرهم الوعيد لمن تولى وأعرض، والوعد لمن استدل بها وقَبِلَ «إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ» قيل:

  مذكر نعمي عندهم وما توجبه عليهم، وتذكرهم الدلائل والوعد والوعيد «لَسْتَ عَلَيهِمْ بِمُسَيطِرٍ» قيل: بجبار، عن ابن عباس، ومجاهد. وقيل: لست عليهم بجبار بالإكراه على الإيمان، عن ابن زيد. وقيل: لست عليهم بمسلط تكرههم على الإيمان وتمنعهم عن المعاصي قهرًا؛ إنما إليك الدعوة فقط، عن أبي علي. واختلفوا، فقال بعضهم: كان هذا قبل نزول آية الجهاد، ثم نسخ بآية القتال، وقيل: لا نسخ فيه؛ لأن الجهاد ليس بإكراه، ولمكان الاستثناء، وقيل: إنما بعثت للتذكير، ليس القبول عليك؛ إنما هو عليهم، فليس عليك من ذلك شيء، وقيل: ليس عليك حسابهم حتى تحفظها عليهم، عن أبي مسلم. «إِلَّا مَنْ تَوَلَّى» أعرض عن الذكر ولم يقبل منك «وَكفَرَ» بِاللَّهِ، وبما جئت به فيعذبهم «اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ» وهو العذاب للكفار في النار؛ لأن عذاب الفساق دونه، وقيل: إنما قال: أكبر؛ لأنهم عذبوا في الدنيا بالسيف والقحط