التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا 21 وجاء ربك والملك صفا صفا 22 وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى 23 يقول ياليتني قدمت لحياتي 24 فيومئذ لا يعذب عذابه أحد 25 ولا يوثق وثاقه أحد 26 ياأيتها النفس المطمئنة 27 ارجعي إلى ربك راضية مرضية 28 فادخلي في عبادي 29 وادخلي جنتي 30}

صفحة 7411 - الجزء 10

  · المعنى: ثم بَيَّنَ وقت الإكرام والإهانة، فقال سبحانه: «كَلَّا» قيل: ردع وزجر، أي: لا تفعلوا ما أنتم عليه من أكل الحرام ومنع الحقوق، وقيل: معناه حَقًّا، عن أبي علي.

  «إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ» أي: ترجف وتزلزل حتى تصير مستوية قد ذهب دورها وقصورها وأبنيتها، وقيل: تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم، عن ابن عباس. «دَكًّا دَكًّا» أي: يفعل ذلك مرة بعد مرة حتى ينكسر كل شيء على ظهرها «وَجَاءَ رَبُّكَ» قيل: أمره وقضاؤه ومحاسبته، عن الحسن، وأبي علي. وقيل: جلائل آياته فجعل مجيئها مجيئه تفخيمًا لها، ولا يجوز حمله على مجيء ذاته؛ لأنه ليس بجسم، فلا يجوز عليه المجيء والذهاب، وقيل: جاء عذابه وثوابه، وقيل: جاء أمره الذي لا أمر لغيره معه وذلك يكون يوم القيامة، خلاف حال الدنيا، عن أبي مسلم. «وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا» أي: مصطفون في القيامة للحساب، وذلك يزيد في سرور المؤمنين، وغم العصاة، إذا ظهر أمرهم على رؤوس الأشهاد، وقيل: الملائكة تقف صفوفًا خلف الناس «وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ» قيل: تقرب من الناس، فيرونها وأنواع عذابها، وليس ذلك بغائب، فيحضرَ، عن أبي مسلم، وأبي علي. وقيل: يتقدم مكانها إلى الموضع الذي يرونها، فأما ما تهذي به الحشوية أنها تقاد بالسلاسل فليس بشيء «يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ» أفعاله القبيحة، وتركه الواجبات، واشتغاله بما لا ينفعه تندمًا وتحسرًا فيقول: لم فعلت، ويتمنى أن يكون عمل في فكاك رقبته «وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى» أنى له ذكر ينتفع به مع ارتفاع التكليف، كأنه قيل: يندم، وأنّى له الندم، وقيل: وأنّى تنفعه الذكرى يومئذ، وقد فرط في الدنيا و «يَقُولُ يَالَيتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي» قيل: ليتني قدمت للحياة الباقية عملاً صالحًا ينفعني اليوم، وقيل: لحياتي بعد الموت «فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ. وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ» أما على قراءة الكسائي بفتح الذال والثاء قيل: معناه لا يعذب كعذاب هذا الكافر الذي لم يقدم لحياته أحد من الناس، ولا يوثق كوثاقه أحد، وهذا وإن أطلق فالمراد به التقييد لما علم أن إبليس أشد عذابًا منه وأشد وثاقًا، وقيل: لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ، وقيل: لا يعذب أحد بعذابه؛ لأنه المستحق