قوله تعالى: {لا أقسم بهذا البلد 1 وأنت حل بهذا البلد 2 ووالد وما ولد 3 لقد خلقنا الإنسان في كبد 4 أيحسب أن لن يقدر عليه أحد 5 يقول أهلكت مالا لبدا 6 أيحسب أن لم يره أحد 7 ألم نجعل له عينين 8 ولسانا وشفتين 9 وهديناه النجدين 10}
  لأن كونك فيها يزيدها تعظيمًا، وقيل: «وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ» أي: أنت فيه محسن وأنا عنك راض، عن الحسن. وقيل: بين أن تعظيم البيت باقٍ وإن استحلوا حرمة الرسول؛ لذلك قال: «لا يقطع شجرها ولا ينفر صيدها»، وقيل: كيف أقسم به وأنت حل بها؛ أي: يستحلون بك ويهتكون حرمتك، عن أبي مسلم. وقيل:
  يحرمون قتل الصيد وقطع الشجر، ويستحلون قتلك؟! عن شرحبيل بن سعد. «وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ» قيل: كل والد، وما ولد: العاقر، عن ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير. وعلى هذا فـ (ما) للنفي، وقيل: آدم وولده، عن الحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وسفيان، وأبي صالح. و (ما) بمعنى الإثبات، وقيل: إبراهيم وولده، عن أبي عمران الجوني. وقيل: كل والد وولده، عن ابن عباس، وأبي علي. وقيل: قسم أريد به النعت على صلة رسول الله ÷ وحفظه لرحمه، وإكبار ما أتى قريش في أمره مع أنهم ولد والد واحد ينسبون إليه جميعًا، وفيه مع ذلك دلالة للعباد على أن لهم صانعًا مدبرًا، عن أبي مسلم. «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ» هذا موضع القسم، والمعنى: خلقنا الإنسان «فِي كبَدٍ» قيل: في نَصَبٍ وشدة، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير. وقيل: يكابد أمر الدنيا والآخرة، عن الحسن، وقتادة. وقيل: يحتاج إلى أن يكابد العيش في الدنيا، ويكابد ما أمر به من فعل الطاعات واجتناب المعصية، عن أبي علي. وقيل: يكابد الشكر على النعم والصبر على المحن، عن الحسن. وقيل: في انتصاب قامته قائمًا على رجليه، عن إبراهيم، وعبد الله بن شداد، ومجاهد، وأبي صالح، وعكرمة، وعطية، والضحاك. كأنه بمعنى شدة قوام، وقيل: «فِي كَبَدٍ» في شدة خلق: خلقه في الرحم وحمله وولادته ورضاعه وفصاله ومعاشه ثم موته، عن ابن عباس. قال الحسن: ليس بشيء من خلق الله يكابد ما يكابده الإنسان في أموره وحياته ومعيشته مع ما يصير إليه من أمر الآخرة، وقيل: الإنسان مع كونه ضعيف الخلق مخلوقًا من ماء مهين، ومع ظهور آيات القهر فيه غليظ الكبد جريء القلب، والعرب تقول لكل جريء: قاس غليظ الكبد، عن أبي مسلم، وأنشد: