التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة 11 وما أدراك ما العقبة 12 فك رقبة 13 أو إطعام في يوم ذي مسغبة 14 يتيما ذا مقربة 15 أو مسكينا ذا متربة 16 ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة 17 أولئك أصحاب الميمنة 18 والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة 19 عليهم نار مؤصدة 20}

صفحة 7425 - الجزء 10

  والثالث: أنه استفهام، أي: هلا اقتحم العقبة؟ عن ابن زيد، وأبي علي، وأبي مسلم، وجماعة من المفسرين، فكأنه لما مكنه وكلفه قال: هلَّا اقتحم العقبة وفك الرقبة وأنفق الأموال في سبيل الله، قال أبو مسلم: معناه: هلَّا تكلف ما يشق ويشتد.

  فأما «الْعَقَبَةَ» ففيه ثلاثة أقوال:

  أولها: أنه تشبيه وتوسع، والمراد ما شق على الأنفس، ثم اختلفوا، فقيل: هلَّا عرف الإنسان ما أنعم الله عليه وأمر به، وعمل الصالحات، وفك الرقبة، وأطعم إلى غير ذلك ليحصل له الثواب، والعقبة هذه الأشياء، واقتحامها ومجاوزتها: فِعْلُها، عن أبي علي. وقيل: هلَّا تكلف الشدة؟ ثم فسره بما بعده: فك رقبة والإطعام، عن أبي مسلم. وعن الحسن: عقبة والله شديدة، مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان، وقيل: هلَّا أنفق ماله في هذه الأشياء ليجاوز بها العقبة فيكون خيرًا له، وإنفاقه في عدواة محمد ÷، وقيل: شبه عظيم الذنوب بالعقبة، فإذا تاب وعمل الصالحات فقد جاوزها، فكأنه قيل: هلَّا فعل من الطاعات والتوبة ليجاوز بطاعاته وتوبته تلك العقبة، وقيل: هلَّا سلك الطريق الذي فيه النجاة؟ عن ابن زيد.

  وثانيها: أنه عقبة في الحقيقة، ثم اختلفوا، فقيل: جبل في جهنم، عن ابن عمر، وقيل: هي سبعون دركة في جهنم، عن كعب. وقيل: عقبة شديدة في النار فاقتحموها بطاعة الله، عن الحسن، وقتادة.

  وثالثها: هو الصراط يضرب على جهنم، عن مجاهد، والضحاك، والكلبي.

  «وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ» قيل: قال ذلك تفخيمًا وتعظيمًا، وقيل: لا تدري ما هي إلا أن نبينها لك، قال سفيان بن عيينة: كل شيء قال: (وما أدراك) أَخْبَرَهُ به، وما قال: (وما يدريك) لم يخبره به.

  ثم فسر ذلك فقال سبحانه: «فَكُّ رَقَبَةٍ» قيل: فك رقبته من الذنوب بالتوبة، عن عكرمة. وقيل: أراد فك نفسه من العقاب بتحمل الطاعات، عن أبي علي. وقيل: «فَكُّ رَقَبَةٍ» أي: أعتق الرقاب من العبيد والإماء وحررها، عن أكثر المفسرين، وهو قول أبي علي وأبي مسلم. «أَوْ إِطْعَامٌ» إعطاء الطعام «فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ» أي: مجاعة