قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة 11 وما أدراك ما العقبة 12 فك رقبة 13 أو إطعام في يوم ذي مسغبة 14 يتيما ذا مقربة 15 أو مسكينا ذا متربة 16 ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة 17 أولئك أصحاب الميمنة 18 والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة 19 عليهم نار مؤصدة 20}
  «يَتِيمًا» الذي مات أبوه وهو طفل، ويستعمل فيمن ماتت أمه «ذَا مَقْرَبَةٍ» أي: ذا قرابة «أَوْ مِسْكِينًا» فقيزا «ذَا مَتْرَبَةٍ» المتربة بقعة التراب، أي: مطروح في التراب لا يواريه عن الأرض شيء، يعني لا شيء له، عن ابن عباس، ومجاهد. وقيل: المتربة شدة الحاجة من قولهم: ترب الرجل: إذا افتقر، عن ابن عباس، وابن زيد. وقيل: ذا متربة قد لصق بالتراب من الفقر، فليس له ما يقي نفسه من التراب، عن أبي علي. قال أبو مسلم: أراد المفرط في الفقر، تقول العرب: فقر مُدْقِعٌ، أي: يلحق صاحبه بالدَّقْعَاءِ وهو التراب، فكان ذا متربة تلحقه التراب «ثُمَّ كَانَ» مع ذلك «مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا» قيل: (ثُمَّ) بمعنى الواو؛ أي: وكان من الَّذِينَ آمنوا، والإيمان يشتمل على جميع الطاعات «وَتوَاصَوا بِالصَّبْرِ» وصَّى بعضهم بعضًا بالصبر على الطاعة وعن المعصية «وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ» أي: بالرحمة على المؤمن من أهل الحاجة أو القرابة أو المظلومين «أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ» قيل: يأخذون كتبهم بأيمانهم، وقيل: يؤخذ بهم ناحية اليمين، كِلا الوجهين ذكره أبو علي. وقيل: أصحاب اليُمْن والبركة، عن الحسن، وأبي مسلم. «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ» قيل: يأخذون كتبهم بشمالهم، ويؤخذ بهم ذات الشمال، عن أبي علي. وقيل: أهل الشؤم، عن أبي مسلم. «عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ» قيل: مطبقة، عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك. وقيل: مغلق بابها وهو الوصيد، وذلك لتأكيد اليأس من الرَّوْحِ، عن أبي علي.
  · الأحكام: يدل قوله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} على الحث على مجاهدة النفس في عمل الطاعة، واجتناب المعاصي، وقمع الهوى والمعصية جملة، فَصَّلَها الله بعدها، وبين أن مجاوزتها بما عَدَّ من الأشياء.
  ويدل قوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ} على عظم حال عتق الرقبة، وروي أن النبي ÷ سأله سائل عن عمل يبلغه الجنة فقال: «عتق النسمة، وفك الرقبة»، فقيل: يا رسول اللَّه،