التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والليل إذا يغشى 1 والنهار إذا تجلى 2 وما خلق الذكر والأنثى 3 إن سعيكم لشتى 4 فأما من أعطى واتقى 5 وصدق بالحسنى 6 فسنيسره لليسرى 7 وأما من بخل واستغنى 8 وكذب بالحسنى 9 فسنيسره للعسرى 10 وما يغني عنه ماله إذا تردى 11 إن علينا للهدى 12}

صفحة 7442 - الجزء 10

  خير من أن تعتق ضعفاء، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال أبو بكر لأبيه: إنما أعتق لا أبتغي إلا تخليصهم وطلب مرضاة الله.

  فأما قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} قيل: نزل في أبي سفيان، عن الكلبي.

  وقيل: هو عام. وقيل: نزل في الأنصاري الذي لم يبع نخلته في الجنة.

  · المعنى: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى» قسم منه تعالى، والواو للقسم، ثم اختلفوا أن القسم بها أو بربها على ما تقدم البيان، ومعنى «يغشى» يغطي كل شيء بظلمته، ويزيل الضياء، وقيل: يغشى النهار فيذهب ضَوْءُهُ، عن الحسن. «وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى» قيل: جلى الليل، فأذهب ظلمته، عن الحسن. وقيل: أنار وأضاء وتجلى للخلق بنوره، وموقع القدرة والنعمة عظيم بالأمرين، فلذلك ذكرهما «وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى» قيل: والذي خلق، والمراد كل ذكر وأنثى خلقهما الله تعالى، وقيل: وخالق الذكر والأنثى، وقيل: أراد آدم وحواء «إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى» هذا هو موضع القسم، أي: عملكم أيها المكلفون متفرق، ساعٍ في فكاك رقبته، وساعٍ في هلاكه، وقيل: منهم من يسعى للدنيا، ومنهم من يسعى للعقبى، وقيل: مذاهبهم متفرقة ليسوا على شريعة واحدة، وقيل: يسعى المؤمن والكافر بينهما تفاوت وبُعْدٌ، ثم فسره، فقال: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى» قيل: أعطى حق الله واتقى معاصي الله، عن قتادة، وأبي علي. وقيل: من أعطى ماله في سبيل الله، واتقى ربه باجتناب محارمه، وقيل: أعطى أي: بذل من نفسه ما يلزمه من الطاعات، وما له من الحقوق «وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى» قيل: بالخلف، عن ابن عباس، وعكرمة. وقيل: بالتوحيد وما يتصل به من الدين، عن الضحاك. وقيل: بالخير، عن الحسن، ومجاهد، وأبي علي. وقيل: بوعد الله، عن قتادة، ومقاتل. قال أبو مسلم: هو الجنة، فيضاعف نفقاتهم «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى» قيل: نسهل له دخول اليسرى، وهي الجنة؛ لأن فيها العيشة الراضية، والرخاء والسعة، ودخولها سهل على المؤمنين في معنى قول أبي علي، وأبي مسلم، وجماعة. وقيل: نيسره للعود إلى العمل