التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن لنا للآخرة والأولى 13 فأنذرتكم نارا تلظى 14 لا يصلاها إلا الأشقى 15 الذي كذب وتولى 16 وسيجنبها الأتقى 17 الذي يؤتي ماله يتزكى 18 وما لأحد عنده من نعمة تجزى 19 إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى 20 ولسوف يرضى 21}

صفحة 7446 - الجزء 10

  قلنا: قيل: فيه وجوه:

  قيل: تسلية؛ أي: لا تفوتونني؛ لأن لي الآخرة والأولى، عن أبي مسلم.

  وقيل: إن بخل لم يضر بي بخله؛ لأن لي الآخرة والأولى.

  وقيل: أُوسِّع على مَنْ أشاء، وأضيق على مَنْ أشاء؛ لأن لي الآخرة والأولى.

  وقيل: علينا الهدى، وقد هديناه إلى الحق ليصل به إلى النعيم الدائم، فإنا لنا للآخرة والأولى، لكن الأولى دار تكليف، والأخرى دار جزاء.

  · المعنى: ثم بَينَ تعالى أن له الدارين، وعقَّبه بالوعد والوعيد، فقال سبحانه: «وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى»، مُلْكُها ومِلْكُها، فمن سأل غيره شيئًا منها فقد أخطأ الطريق «فَأَنْذَرْتُكُمْ» خوفتكم «نَارًا تَلَظَّى» تتوقد، و (نارًا) نكرة في الإثبات فتكون نارًا مخصوصة «لاَ يَصْلاَهَا» قيل: لا يدخلها ولا يعذب بها، عن أبي علي. وقيل: لا يصير صلاها، أي: وقودها، عن أبي مسلم. «إِلَّا الْأَشْقَى» أي: هو موضعه، والمعذب فيه، وقيل: المراد بالأشقى الشقي، قال الشاعر:

  تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ فَإِنْ أَمُتْ ... فَتِلْكَ سَبِيل لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ

  أي: بواحد، وقيل: المراد أشقى العصاة وهم الكفار «الَّذِي كَذَّبَ» الله ورسوله «وَتَوَلَّى» أعرض عن طاعة الله، وطاعة رسوله.

  ومتى قيل: يجب أن يكون في النار موضع الكفار دون غيرهم من الفساق؛ لأنه إثبات ونفي، فلو دخلها غيرهم لم يكن للنفي والإثبات معنى؟

  فلنا عن هذا أجوبة: