التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن لنا للآخرة والأولى 13 فأنذرتكم نارا تلظى 14 لا يصلاها إلا الأشقى 15 الذي كذب وتولى 16 وسيجنبها الأتقى 17 الذي يؤتي ماله يتزكى 18 وما لأحد عنده من نعمة تجزى 19 إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى 20 ولسوف يرضى 21}

صفحة 7447 - الجزء 10

  أولها: ما ذكرنا أن قوله: «نَارًا» نكرة في إثبات، والنيران دركات، فيجوز أن يكون فيها دركة يختص بعذابها الكفار، عن أبي علي، وقد قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}⁣[النساء: ١٤٥]، وقال: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}⁣[الحجر: ٤٤].

  وثانيها: {لَا يَصْلَاهَا} أي: لا يتعرض لأن يكون صلاها إلا مَنْ هذه صفته، وهو التكذيب والتولي.

  وثالثها: أن النار أضيف إليهم؛ لأنهم أكثر أهلها وأولاهم بها، وهم المقصودون فيها، كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} ذكر هذه الوجوه الثلاثة أبو مسلم.

  ورابعها: أن فيه بيانا بأن الأشقى يدخلها، فغيره موقوف على الدليل، ولا يمتنع دخول غيره، كقوله: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} ثم الفاسق ليس بأتقى، ويتجنبها عنده، ولأنه لو كان استثناء حقيقة على ما يزعمه لوجب القطع على أن الفاسق لا يدخل النار، وفيه خلاف الإجماع، وإغراء بالمعاصي، بل إباحتها، وذلك لا يصح، ولأن البخيل والعاصي مخوف بالنار، فإما أن يقال: هم كفار، فذلك لا يصح، أو يقال: غير مُخَوَّفِين، وذلك خلاف الإجماع.

  وخامسها: أن فيه حذفًا؛ لما صحَّ من الدليل، كأنه قيل: الأشقى، ومن جرى مجراه من العُصَاة.

  وسادسها: أن من الكفار من يدخلها، وإن لم يكذب، ولم يبخل، ولم يتوَّل، وأحسن الوجوه هو الأول.

  «وَسَيُجَنَّبُهَا» أي: يبعد منها حتى يصير في غير جانبها «الْأَتْقَى» قيل: التقي، وقيل: الأتقى من أهل الجنة، وهم المؤمنون؛ لأن في الجنة صغارًا ومجانين وأصحاب الأعواض والحور العين.