التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن لنا للآخرة والأولى 13 فأنذرتكم نارا تلظى 14 لا يصلاها إلا الأشقى 15 الذي كذب وتولى 16 وسيجنبها الأتقى 17 الذي يؤتي ماله يتزكى 18 وما لأحد عنده من نعمة تجزى 19 إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى 20 ولسوف يرضى 21}

صفحة 7448 - الجزء 10

  ومتى قيل: أليس قال: (سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) ثم الصبيان والمجانين يجنبونها؟

  قلنا: المراد به المكلفون؛ لأن الإنذار يوجه إليهم.

  ثم بَيَّنَ صفة الأتقى، فقال سبحانه: «الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى» أي: يتصدق ويؤدي الواجب، ويتطهر بفعل الطاعات «وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى» أي: لم يتصدق ولا فعل ما فعل لجزاء ولا لعوض؛ لكن لحسنها وكونها طاعة لله تعالى؛ ولهذا قال: «إِلَّا ابْتِغَاءَ»؛ أي: طلب «وَجْهِ رَبِّهِ» أي: رضا ربه، فذكر وجهه وأراد نفسه، و (إلا) بمعنى (لكن) «الأَعْلَى» أي: الأقدر الذي يقهر كل شيء ولا يمتنع، وقيل: الأعلى: الأجل كما لا يجوز عليه «وَلَسَوْفَ يَرْضَى» أي: سوف يعطيه الله من الجزاء نهاية أمنيته حتى يرضى، ولا يرى مزيدًا، واللام في قوله: {وَلَسَوفَ} لام التأكيد، وهي التي تدخل في جواب القسم فوعد وعدًا مؤكدًا.

  · الأحكام: الآيات تتضمن أحكامًا:

  منها: تخويف عظيم بالنار ليتحرزوا منه، فيدل أن الاحتراز فعلُهم؛ إذ لو كانت مخلوقة لكان يخوفهم بما لا سبيل لهم إلى التفصي منه.

  ومنها: ما قاله أبو علي أن قوله: {الأَشْقَى} يدل على أن هناك شقيا سواه، ولو لم يدخل النار غيره لما صح ذلك، ودل بذلك على صحة قولنا في الوعيد.

  ومنها: أن الطاعة إنما يستحق عليها الثواب إذا فعلت لوجه الله، ولكونها طاعة.

  ومنها: أن أهل الجنة مع اختلاف درجاتهم، كل واحد راضٍ بما أُوتِيَ، لا يتمنى منزلة غيره، ولا يتباغض، ولا يتحاسد.