التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والضحى 1 والليل إذا سجى 2 ما ودعك ربك وما قلى 3 وللآخرة خير لك من الأولى 4 ولسوف يعطيك ربك فترضى 5 ألم يجدك يتيما فآوى 6 ووجدك ضالا فهدى 7 ووجدك عائلا فأغنى 8 فأما اليتيم فلا تقهر 9 وأما السائل فلا تنهر 10 وأما بنعمة ربك فحدث 11}

صفحة 7457 - الجزء 10

  وقيل: فهداهم بك.

  وقيل: وجدك لا تعرف الحق، فهداك إليه بإتمام العقل، ونصب الأدلة، والألطاف، والخواطر، حتى عرفت الله بصفاته بين قوم كلهم ضُلَّالٌ مشركين، فلولا أن الله تعالى فعل بك وإلا ما كنت كذلك.

  وقيل: وجدك ضالًّا لقبلتك فهداك إليها.

  فأما من قال بالثاني فاختلفوا: فقيل: الضال الذي لا يهتدي إلى أمور الدنيا ومصالحها كقوله تعالى: {تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ}⁣[يوسف: ٩٥] أي: أنك لم تعرف مصالح الدنيا فهداك إليها حتى فتح لك الفتوح، وذلت لك العرب، عن أبي مسلم، قال: والعرب تقول إذا التبس عليه معيشته: ما أدري أين أذهب، وما أدري إيش أصنع، ونحوه.

  وقيل: ضالًّا في شعاب مكة، فهداك إلى جدك عبد المطلب، وقال ابن عباس:

  ضل رسول الله ÷، وهو صغير في شعاب مكة، فرآه أبو جهل ورده إلى جَدِّة، فمنَّ

  الله عليه حتى رده على جده على يديْ عدوه.

  وقيل: بعث به جده عبد المطلب في طلب إبل، فاحتبس عنه، وهو صبي، فدعا الله وطاف بالبيت، فجاء مع الإبل، فقال: (يا بني حزنت عليك حزنًا، لا تفارقني أبدًا).

  وقيل: لما أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب، وأرادت رده على جده جاءت به حتى قرب من مكة فضَلَّ في الطريق، فطلبته وجزعت، وقالت: إن لم أره لأرمينَّ نفسي من شاهق، وجعلت تصيح وامحمداه، وضج الناس لصيحتها، قالت: فدخلت مكة على تلك الحال، قالت: ورأيت شيخًا فانيًا متوكْئًا على عصى، فسألني عن حالي، فأخبرته، فقال: لا تبكي، أدلك على من يرده عليك، هبل الصنم الأعظم، ودخل البيت، وطاف بهبل، وقَبَّلَ رأسه وقال: يا سيداه لم تزل منتك جسيمة، رد محمدًا على هذه السعدية، قالت: فتساقطت الأصنام لما تفوه باسم محمد، وسمع صوتًا يقول: إنما هلاكنا على يديْ محمد، فخرج وأسنانه تصطك، وخرجت إلى