التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والضحى 1 والليل إذا سجى 2 ما ودعك ربك وما قلى 3 وللآخرة خير لك من الأولى 4 ولسوف يعطيك ربك فترضى 5 ألم يجدك يتيما فآوى 6 ووجدك ضالا فهدى 7 ووجدك عائلا فأغنى 8 فأما اليتيم فلا تقهر 9 وأما السائل فلا تنهر 10 وأما بنعمة ربك فحدث 11}

صفحة 7459 - الجزء 10

  «وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى» أي: فقيرًا فأغناك، وهذا واضح، ثم اختلفوا، فقيل: أغناك بمال خديجة، وقيل: بالغنائم والفتوح، وقيل: بالقناعة، فأغنيك بأن أرضيك بما أعطيك، وقيل: عائلًا عن الأتباع فَأَكْثَرَ أصحابك وأتباعك، وقيل: أغناك بالقرآن وبالعلم، وعن رسول الله ÷: «من لم يُغْنِهِ القرآنُ فلا أغناه الله، ومن لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله»، وقيل: أغنى قلبك حتى صرت أغنى الأغنياء يستوي عندك الذهب والحجر، وقيل: وجدك عائلاً تعول الخلق بالعلم، فأغناك بالقرآن [والعلم] والحكمة، وقيل: وجدك ذا عيال فأغناك؛ ولذلك أمرهم، وحذف الكاف من قوله: (فآوى) و (هدى) و (أغنى) لموافقة رؤوس الآي، ودلالة الكلام عليه، «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ» قيل: لا تقهر حتى تذهب بماله وتهينه، بل أكرِمْهُ واذكُرْ يتمك، وكما فعل الله بك فافعل بالأيتام، عن أبي مسلم. وإنما خص اليتيم لصغره، ولأنه يحتاج إلى حفظ، ولا ناصر له يقوم بأمره، وروى أبو هريرة عن النبي ÷ أنه قال: «كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة إذا اتقى الله - وأشار بالسبابة والوسطى -»، وعن عمر: «إذا بكى اليتيم اهتز العرش، ويقول الرب: ملائكتي من أبكى هذا اليتيم الذي غُيِّبَ أبوه في التراب، فيقولون: أنت أعلم، فيقول: ملائكتي، اشهدوا أنَّ لمن أسكته وأرضاه أن أرضيه يوم القيامة»، فكان عمر إذا رأى يتيمًا مسح رأسه، وأعطاه شيئًا.

  «وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ» أي: من سألك شيئًا من مالك فلا تطرده، ولا تَرُدَّهُ بقبيح، أعطه اليسير أو ردَّه بالجميل، وقيل: كما أعطاك الله ورحمك وأنت عائل فَأَعْطِ سائلك وارحمه، عن أبي مسلم. وقيل: المراد به جميع المكلفين، وإن كان الخطاب للنبي ÷