قوله تعالى: {والتين والزيتون 1 وطور سينين 2 وهذا البلد الأمين 3 لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم 4 ثم رددناه أسفل سافلين 5 إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون 6 فما يكذبك بعد بالدين 7 أليس الله بأحكم الحاكمين 8}
  «وَطُورِ سِينِينَ» قيل: الطور الجبل الذي كلم الله عليه موسى، عن الحسن. قال أبو علي: طور سينين اسم لذلك الجبل، وهو عظيم الشأن لهذا المعنى، وقيل: «سِينِينَ» حسن؛ لأنه كثير النبات والشجر، عن عكرمة. وقيل: سينين مبارك، عن مجاهد، وقتادة. كأنه قيل: جبل كثير الخير، وقيل: كل جبل فيه شجر مثمر فهو طور سينين، عن مقاتل. «وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ» يعني الآمن، وهو مكة باتفاق المفسرين «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» هذا موضع القسم، أقسم أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، قيل: في أحسن صورة، عن إبراهيم، وقتادة، ومجاهد. وقيل: منتصب القامة وسائر الحيوان منكب إلا الإنسان، عن ابن عباس. وقيل: خلقهم على كمال في أنفسهم، مزينًا بالعقل، مصورًا بأحسن صورة، مميزا بالنطق، مؤدبًا بالأمر والنهي إلى غير ذلك، وذلك مما يختص به الإنسان، وقيل: قوّم أعضاءه وجوارحه، وأحكمه وحسنه، عن أبي مسلم. وقيل: فيه إشارة إلى حال الشباب «ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ» قيل: أرذل العمر، عن ابن عباس، وإبْرَاهِيم، وقتادة، وأبي مسلم. وعلى هذا الاستثناء منقطع، فهو بعد النضارة والقوة، والحسن إلى الضعف والنقص، وقيل: ثم رددناه إلى النار في أقبح صورة، عن الحسن، ومجاهد، وابن زيد، وأبي علي؛ لأنه لم يشكره على نعمه عليه، وعلى هذا الاستثناء صحيح، فالمراد بالمتقدم المكلفون، والمستثنى المؤمنون، وقيل: هم قوم ردوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى الله عليه، فأنزل الله ذلك، فأخبر أن لهم أجرهم على الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم، وقيل: المراد به الكفار، أي: خلقناهم في أحسن خلقة أحرارًا عقلاء مكلفين فكفروا فرددناهم أسفل سافلين بالرق والعبودية، ثم استثنى فقال: «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ».
  ومتى قيل: كيف يصح هذا الاستثناء عما تقدم؟
  قلنا: أما على القول الأول: ثم يردون إلى أرذل العمر فزالت عقولهم وانقطعت أعمالهم فلا تكتب لهم حسنة، ولا عليهم سيئة، إلا الَّذِينَ آمنوا وعملوا