قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق 1 خلق الإنسان من علق 2 اقرأ وربك الأكرم 3 الذي علم بالقلم 4 علم الإنسان ما لم يعلم 5 كلا إن الإنسان ليطغى 6 أن رآه استغنى 7 إن إلى ربك الرجعى 8}
  «وَرَبُّكَ» أي: خالقك وسيدك «الْأَكْرَمُ» أي: لا أحد أكرم منه؛ لأن كل فعله إكرام وإحسان ونفع للغير، بخلاف غيره، فينبغي أن تعبده؛ لأنه بهذه الصفة، وقيل: بَلِّغْ قومك وأمتك بأنه أكرم من أن يكلفك ما لا يجازيك عليه وما لا قبل لك به، عن أبي علي. وقيل: اقرأ فإنه لكرمه يقويك ولعينك ويظهرك ويثبتك، عن القاضي. وقيل: الْأَكْرَمُ: الحليم عن العباد فلا يعجل عليهم بالعقوبة «الَّذِي عَلَّمَ بِالْقلَمِ» قيل: علم الخط والكتابة الذي فيها النفع العظيم فيما يتعلق بالدين والدنيا، وتقييد ما يخاف فيه النسيان وتخليده الدهر الطويل والأداء عن صاحبها حاجاته، عن أبي مسلم. قال قتادة: القلم نعمة من الله تعالى عظيمة، لولاه لم يقم دين، ولم يصلح عيش، وقيل: القلم أحد اللسانين، وقيل: أراد علم كلامه بأن كتب لهم في اللوح المحفوظ حتى قرأه الملائكة وبلغوه الناس، عن أبي علي. وقيل: أراد نفس القلم الذي يتوصل به إلى الكتابة «عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» من أمور دينه وشرائعه وأحكامه، وقيل: جميع ما يعلم الإنسان من جهته إما بأن يضطر إليه أو نصب الدليل عليه في عقله، أو بَيَّنَ على ألسنة ملائكته ورسله، وكل ذلك مضاف إليه؛ لأنه من جهته، وقيل: المراد به ما خلق فيهم من العلوم الضرورية التي بها يكمل العقل، وبها يتم الاستدلال، والأول الوجه، وقيل: عَلَّمَ بالقلم من أمور دينه ودنياه ما لم يعلمه قبل ذلك حتى كتبه وحفظه وعلمه، ولولا تعليمه لما كان شيء من ذلك، وقيل: علم آدم الأسماء، ثم صار ذلك في أولاده، والإنسان آدم، وقيل: الإنسان محمد كقوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ}[النساء: ١١٣]. وقيل: هو عام.
  ثم بَيَّنَ أن الإنسان مع نعمه عليه يكفر بربه، ويعصي أمره، فقال: «كَلَّا» قيل: ردع وزجر؛ أي: لا تَعْصِ مع هذه النعم، وقد علمت حالك، وقيل: حقًّا «إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى» ليجاوز حده، ويستكبر عن عبادة ربه «أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى» رأي غناه، وقيل: ترفع عن منزلته إلى منزلة في لباسه وطعامه وغيرها، عن الكلبي. وقيل: بحرصه على المال والدنيا وجمعها يطغى، وقيل: معناه أن عادة الإنسان الطغيان، واتباع الشهوات