التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة 1 رسول من الله يتلو صحفا مطهرة 2 فيها كتب قيمة 3 وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة 4 وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة 5 إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية 6 إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية 7 جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه 8}

صفحة 7500 - الجزء 10

  وقيل: لم يكونوا هالكين حتى تأتيهم البينة، أي: لم يعذبوا إلا بعد قيام الحجة عليهم بالرسول والكتاب من قولهم: انفك صَلا المرأة عند الولادة، وهو أن ينفصل فلا يلتئم «حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ» قيل: الحجج والآيات، وقيل: هو محمد سماهُ بينة لما معه من البينات نحو القرآن وسائر المعجزات.

  ثم فَسَّرَ البينة، فقال: «رسُولٌ مِنَ اللَّهِ» مبلغًا، قيل: رسول من الملائكة «يَتْلُوا صُحُفًا» من اللوح المحفوظ، عن أبي مسلم. وقيل: هو محمد ÷ «يَتْلُوا» القرآن عليهم «صُحُفًا» جمع صحيفة، وقيل: الصحف المطهرة في السماء لا يمسها إلا الملائكة المطهرون، عن أبي علي، وهو قول الحسن. وقيل: الصحف المطهرة: القرآن؛ لأنه مثبت في اللوح المحفوظ، وهي صحائف، فلأجل أنه منسوخ منها وصف بأنه يتلو تلك الصحف، وقيل: الصحف المطهرة القرآن «مُطَهَّرَةً» من الباطل، ذكره بأحسن الذِّكْرِ، وأثنى عليه بأحسن الثناء، عن قتادة. «فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ» أي: كتب عادلة، وقيل: مستقيمة.

  ثم بَيَّنَ أنه لا عذر لهم في ترك الحق، فقال سبحانه: «وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ» فيه قولان:

  أولهما: ما تفرقوا في الدين، ولم يختلفوا إلا من بعد ما جاءتهم الحجة، وقيل: لا يهمنك أمرهم فما تفرقوا إلا بعد إقامة الحجة عليهم، فإنما أُتُوا في ذلك من قِبَلِ أنفسهم، لا من قبلك.

  وقيل: كانوا مجمعين على نبوة محمد، فلما بعث محمد تفرقوا، فآمن بعض، وكفر بعض.

  «إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ» أي: الحجة، قيل: هي ما أتى به الأنبياء في كتبهم، عن أبي علي. وقيل: هي ما جاءهم به رسول الله ÷ من المعجزات والقرآن.

  «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» قيل: ما أُمِرَ جميع الأمم إلا لعبادته على وجه الإخلاص، عن الحسن. وقيل: ما أمر هَؤُلَاءِ من جهة محمد من على لسانه إلا بالتوحيد وإخلاص العبادة، وقيل: «أُمُروا» يعني: أهل الكتاب والمشركين «حُنَفَاءَ» مائلين عن جميع الأديان إلى دين الإسلام، وقيل: مستقيمين في الإسلام، عن