قوله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة 1 رسول من الله يتلو صحفا مطهرة 2 فيها كتب قيمة 3 وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة 4 وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة 5 إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية 6 إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية 7 جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه 8}
  أبي علي. واختلفوا في الحنيفية، قيل: جميع دين الإسلام كما قال النبي ÷: «بعثت بالحنيفية السمحة»، وقيل: هو الختان وتحريم الأمهات والبنات والعمات والخالات والأخوال وإقامة المناسك، عن قتادة. «وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ» يديمونها بأركانها «وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ» المفروضة «وَذَلِكَ» يعني ما ذكرت «دِينُ الْقَيِّمَةِ» المستقيم، والمراد ذلك الدين المستقيم، وأضاف الدين إلى القيمة لاختلاف اللفظين، وقيل: القيّمة: الكتب التي جرى ذكرها، والدين مضاف إليها، يعني الدين الذي تنطويه الكتب القيمة، ونظيره قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}[البقرة: ٢١٣]، وقيل: القيمة جمع «قَيِّم وقيم وقائم» واحد، والمعنى: ذلك دين القائمين لله بالتوحيد والدعاء إليه، والعبادة له، وهم الأنبياء والمؤمنون «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكينَ» عطف المشركين على الَّذِينَ كفروا، وإن كان لفظه ماضيًا؛ لأن تقديره: إن الكافرين والمشركين «فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدينَ فِيهَا» أي: دائمين «أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ» أي: شر الخلق؛ إذ لا أحد شر من الكافر «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيرُ الْبَرِيَّةِ» أي: خير الخليقة «جَزَاؤُهُمْ» على أعمالهم «عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ» أي: جنات إقامة «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا» أي: من تحت أبنيتها وأشجارها «الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا» أي: دائمًا لا ينقطع «¤» بما قدموه من الطاعات، وقيل: رضي أعمالهم، وقيل: رضي عنهم بأن مدحهم وعظمهم «وَرَضُوا» بما جازاهم من النعيم والثواب، وقيل: رضي عنهم حيث وحَّدوه ونزهوه عن القبائح وأطاعوه، «[وَ] رَضُوا عَنْهُ» حيث فعل بهم ما رجوا من فضله وعدله، لم يظلمهم في حكمه، ولا عاقبهم من غير جرم، وهَؤُلَاءِ هم أهل التوحيد والعدل، يوحدون الله، فلا يشبهونه، وينزهونه عن كل قبيح، ويضيفون إليه كل خير، يرجون ثوابه، ويخافون عقابه، دون المشبهة الْمُجْبِرَة «ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ» أي: خشي عقابه فأطاعه.
  · الأحكام: السورة تتضمن أحكامًا:
  منها: أن الكفار كفروا بعد إقامة الحجة عليهم، وأنهم أتوا في ذلك من قِبَلِ أنفسهم.