التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ألهاكم التكاثر 1 حتى زرتم المقابر 2 كلا سوف تعلمون 3 ثم كلا سوف تعلمون 4 كلا لو تعلمون علم اليقين 5 لترون الجحيم 6 ثم لترونها عين اليقين 7 ثم لتسألن يومئذ عن النعيم 8}

صفحة 7526 - الجزء 10

  يعني حتى متم على ذلك ولم تتوبوا، وقيل: زرتم المقابر، فعددتم الأموات في القبور في تفاخركم «كَلَّا» قيل: ردع وزجر، أي: لا تقولوا ذلك وازدجروا، واشتغلوا بما أمركم الله به، وقيل: معناه حَقًّا إنكم ستعلمون أن الأمر بخلاف ما ظننتم «سَوْفَ تَعْلَمُونَ» وعيد لهم، أي: عن قريب تعلمون ما وعدتم، وقيل: تعلمون بطلان ما قلتم، وما أنتم عليه «ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ» فيه عدة أقوال:

  أولها: ستعلمون في القبر، ثم ستعلمون في الحشر بعد البعث، عن أبي علي. وعن علي، قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} إلى قوله: {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}.

  وثانيها: أنه كرر ذلك لأنه في موقفين، موقف الإكرام، وموقف الفضيحة، وذلك جَمِيعًا في الحشر، كأنه قيل: كلا سوف تعلمون إذا رأيتم دار الأبرار، ثم كلا سوف تعلمون إذا رأيتم دار الفجار.

  وقيل: كرر تأكيدًا ووعيدًا، عن أبي مسلم.

  وقيل: كلا سوف تعلمون عند اليأس، ثم كلا سوف تعلمون في الحشر، عن أبي علي.

  «كَلَّا» قيل: ردع وزجر، وقيل: تأكيد في الوعيد، والعرب تؤكد ب (كَلَّا) و (حَقًّا)، وقيل: هو قسم «لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ» أي: علمًا يقينًا، واليقين والعلم واحد، فأضاف أحدهما إلى الآخر لاختلاف اللفظين، وقيل: معناه العلم اليقين، كقوله: {حَقُّ اليَقِينِ}⁣[الواقعة: ٩٥]، وقيل: العلم يكون بمسانيد، وضرورة، ويكون باكتساب، وإذا انضاف الضروري إلى المكتسب صار يقينًا، وإنما نعلم أحوال القيامة باكتساب، ثم نعلمه مشاهدة وضرورة «لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ» يعني: في القيامة «ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ»] بالمشاهدة إذا دخلوها وعذبوا بها، وقيل: ذكر (كَلَّا) ثلاث مرات أي: ستعلمون عند اليأس، وفي القبر، وفي الحشر، وذكر في الثالث علم اليقين؛ لأنه صار عيانًا ومشاهدة «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ» يعني: يوم القيامة «عَنِ النَّعِيمِ» يعني: عن النَّعم