قوله تعالى: {لإيلاف قريش 1 إيلافهم رحلة الشتاء والصيف 2 فليعبدوا رب هذا البيت 3 الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف 4}
  والإلف لزوم الشيء على عادة في سكون النفس إليه، أَلِفَ يَأْلَفُ إلفًا، وآلفه إيلافًا: إذا جعله يألف، وائتلف القوم ائتلافًا، وتآلفوا تآلفًا، وأَلَّفَهُمْ تأليفًا، ونظير الإيلاف: الإيناس، ونقيضه: الإيحاش، وأَلَّفْتُ بين الشيئين، ومنه التأليف معنى يحل جزءين لا يشاركه في هذا عرض، وبه فارق سائر الأعراض، وهو جنس برأسه.
  الرحلة: حال السير على الراحلة، والراحلة: المركب القوي على السفر من الإبل ذكرًا كان أو أنثى، ومنه الحديث: «الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة»، والرحل: متاع السفر، والارتحال: احتمال الرجل للسير في السفر، رحل يرحل رحلة، والرحل: منزل الرجل ومأواه، والراحلة: السرج؛ لأنه آلة السفر، والعرب تسمي الرحلة لِمَا كان في طلب المعيشة والرفادة وما أشبهها، وما كان للجهاد والحرب يسمى الغزو.
  · الإعراب: يقال: ما العامل في قوله: «لِإِيلَافِ» وما الجالب للام؟
  قلنا: اختلفوا فيه على أقوال:
  أولها: قال الفراء: هي متصلة بالسورة الأولى، كأنه قيل: فعلنا بأصحاب الفيل ما فعلنا نعمة منا على قريش، وتقديره: فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، وقيل: اللام بمعنى [إلى]؛ أي: فعلنا ذلك نعمة منا على قريش، إلى نعمتنا عليهم في رحلتها الشتاء والصيف، فكأنه قيل: نعمة إلى نعمة.
  وقيل: هي لام (كي)، أي جعلهم كعصف مأكول لكي تألف قريش، فكأن هلاك أصحاب الفيل سبب لإيلاف قريش ونظام حالهم، هذا كله على أنها تتصل بالسورة المتقدمة. قيل: هذا لا يصح؛ لأنه من سورة أخرى.
  وثانيها: قال الكسائي والأخفش: هي لام التعجب، تقديره: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة رب هذا البيت، ثم أمرهم بعبادته، كما تقول: لزيد، وإكرامنا إياه على وجه التعجب، أي: اعجبوا لذلك، إلا أنه حذف.