التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر 1 فصل لربك وانحر 2 إن شانئك هو الأبتر 3}

صفحة 7568 - الجزء 10

  يشتمل على نعم الدين والدنيا، وعلى ما يعطيه في الآخرة، وكل واحد من المفسرين ذكر بعض ما دخل في الجملة، وما روي عن النبي ÷: «أنه نهر في الجنة»، وروي: «نهر أعطانيه الله» وروي: «نهر وعدني ربي» وروي: «نهر في بُطْنَانِ الجنة» وإن كان من أخبار الآحاد فلا مانع منه، وذكر بعض ما دخل في العموم، وإن صح ذلك فيدل على أنه موجود في الحال، ورووا أنه رأى الكوثر ليلة المعراج، ولا يقال: أليس يفنى بالفناء، وذلك لا يجوز وجوده في الحال، وأن يفنى، ثم يعاد.

  ويدل قوله: {فَصَلِّ} أنه أمر بالعبادة بعد ذكر النعم شكرًا، وذلك يشتمل على كل صلاة، وقوله: {وَاَنحَرْ} على كل نسك، وقد بَيَّنَّا ما قيل فيه.

  ويدل أن الصلاة فرضت بمكة، وإن تغير بعض أوصافها بالمدينة، وروي أن جبريل أَمَّهُ عند البيت، وعلَّمه المواقيت.

  ويدل قوله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} أن أعداءه هم الأبتر، وذلك يشتمل على انقطاع النسل والذكْرِ، وانقطاع الدين، وعلى الهلاك، وكل ذلك فُعِلَ بهم، وفُعِل ضِدَّهُ به حتى انتشر ذكره وصيته، وظهر أمره ودينه، وكثر نسله وعقبه، ورأى مصارعهم وهلاكهم.

  وتدل السورة على معجزات لرسول الله ÷:

  منها: ما أخبر عن حال أعدائه، فكان كما أخبر.

  ومنها: ما بشره بظهور دينه وانتشار أمره، فكان كما أخبر.

  ومنها: عجزهم عن إتيان مثل هذه السورة مع تحديه إياهم به، وحرصهم على بطلان أمره.

  ومنها: ما في هذه السورة من الإعجاز؛ لأنها مع قصرها تدل على أنه: معجز، وأنه كلام رب العزة لفظًا ومعنى.

  أما المعنى: ففيه تشريف له بما أعطي من الخيرات دينًا ودنيا، وأمر بالصلاة التي هي آكد عبادات البدن، وأمر بالهدايا التي هي من حقوق المال، وفيه أن ما يفعله ينبغي أن يكون للّه، وفيه بشارة بهلاك أعدائه، وظهور أمره.