التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل ياأيها الكافرون 1 لا أعبد ما تعبدون 2 ولا أنتم عابدون ما أعبد 3 ولا أنا عابد ما عبدتم 4 ولا أنتم عابدون ما أعبد 5 لكم دينكم ولي دين 6}

صفحة 7575 - الجزء 10

  عَلَى أَنْ لَيْسَ عَدْلاً مِنْ كُلَيْبٍ

  ثم كرر ذلك في أبيات كثيرة.

  وإذا كان هذا عادة لهم مشهورة، فأولى المواضع بالتأكيد هذا الموضع؛ لأنهم أبدوا وأعادوا، فأكد لإياسهم وحسم أطماعهم بالتكرار، وقيل: أراد في الأول المعبود، وفي الثاني العبادة، و (ما) في الثاني (ما) المصدر، كقوله: {وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا}⁣[الشمس: ٦] وكقوله: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ}⁣[غافر: ٧٥] أي: بفرحكم، وتقديره: لا أعبد ما تعبدون من الأصنام ولا أنتم عابدون من أعبد وهو الله تعالى، فإن زعمتم أنكم عابدون إلهي فأنتم كاذبون؛ لأنكم لا تعبدونه كعبادتي في الإخلاص والتقرب إليه، ولا أنا أعبده كعبادتكم، وهذا قول أبي مسلم والفراء، وقد ذكر الفراء أنه كقول المجيب: بلى، بلى، والممتنع: لا، لا، وأنشد أيضًا:

  كَمْ نِعْمَةٍ كَانَتْ لَكُمْ ... كَمْ كَمْ وَكَمْ

  وأنشد:

  نَعَقَ الْغُرَابَ بِبَيْنِ لَيْلَى غُدْوَةً ... كَمْ كَمْ وَكَمْ بِفِرَاقِ لَيْلَى يَنْعِقُ

  إلى غير ذلك من الأبيات.

  وقيل: إن قريشًا مرة سألوه ذلك: أن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إلهه سنة، فأمره أن يجيب بقوله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ٢ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}، ثم سألوه ذلك مرة أخرى بأن يستلم بعض آلهتهم ليؤمنوا، فأمره أن يجيب، فإنما تكرر لاختلاف الوقتين، والقرآن نزل شيئًا بعد شيء، وهذا قول ابن قتيبة. وقيل: لا أعبد ما تعبدون قطعًا، ولا أعبد أيضًا بشرط أن تعبدوا أنتم الله، ففي الحالين لا أعبده، وكذلك أنتم، وقيل: لا أعبد كعبادتكم، وهو الشرك، ولا أنتم تعبدون كعبادتي، وهو التوحيد.