قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون 230}
  الكنايات، فلبثت ما شاء اللَّه، ثم عادت إلى رسول اللَّه ÷، وقالت: إن زوجي مسني، فقال: «كذبت قولك الأول، فلا نصدقك في الآخر»، فلبثت حتى قبض رسول اللَّه ÷ فأتت أبا بكر فاستأذنت، فقال: لا ترجعي إليه، فلبثت حتى مضى لسبيله، فأتت عمر فاستأذنت فقال: لئن رجعت إليه لأرجمنك، وفي قصة رفاعة وامرأته نزلت: «فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيرَهُ».
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى حكم التطليقة الثالثة، فقال تعالى: «فَإنْ طَلَّقَهَا» يعني الزوج يطلقها التطليقة الثالثة، وقيل: إن قولة: «فَإِنْ طَلَّقَهَا» تفسير لقوله: «أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسانٍ»، عن مجاهد، وهذا على مذهب من يجعل التسريح طلاقًا. وقيل: بل هي التطليقة الثالثة، عن السدي «فَلاَ تَحِلُّ لَهُ» يعني هذه المرأة لا يحل نكاحها لهذا الذي طلق ثلاثًا «مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيرَهُ» يعني حتى تتزوج زوجًا، ويجامعها، واختلفوا فقيل: العقد يُعْلَمُ بالكتاب، والوطء بالسنة، عن أبي علي. وقيل: بل كلاهما يُعْلَمُ بالكتاب؛ لأن النكاح يعبر به عنهما، كأنه قيل: حتى تتزوج ويجامعها، وقيل: تقديره: حتى يجامعها زوج، فيفهم الوطء بقوله: «تَنْكِحَ» والعقد بقوله: «زَوْجًا» قال أبو مسلمِ: وهو من الكنايات الفصيحة، والإيجاز العجيب. «غَيرَهُ» أي غير المطلق «فَإِنْ طَلَّقَهَا» يعني الزوج الثاني «فَلاَ جُنَاحَ عَلَيهِمَا» أي لا مأثم على المرأة والزوج الأول «أَنْ يَتَرَاجَعَا» يعني بنكاح جديد باتفاق أهل العلم، فذكر النكاح بلفظ التراجع «إنْ ظَنَّا» قيل: عَلِمَا، وقيل: أَيْقَنَا، وقيل: اعَتَقَدا، عن أبي مسلم «أنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّه» قيل: علما أن نكاحهما على غير دُلْسَةٍ، وقيل: يعملان بما أمر اللَّه به كل واحد منهما في حق الآخر «وَتِلْكَ» يعني ما نبينه «حدود اللَّهِ» أوامره ونواهيه «يُبَيّنُهَا» يفصلها «لِقَوْم يَعْلَمُونَ» قيل: هم العقلاء؛ لأنهم المخاطبون، عن أبي مسلم، وقيل: أراد به من يعْلَمُ، وخصهم بالذكر؛ لأنهم ينتفعون بالآيات، فغيرهم بمنزلة من لا يعتد به، وقيل: خصهم بالذكر؛ لنباهتهم، كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} وقيل: يبينها ليعلم أنه بعث الرسول وأنزل الكتاب، عن الأصم، وقيل: أراد العرب؛ لأن القرآن نزل بلسانهم مصلحة لهم في الدارين.