التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح 1 ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا 2 فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا 3}

صفحة 7580 - الجزء 10

  ودخل رسول الله ÷ مكة، وكان الفتح.

  وأجمع أهل السير والفقهاء أن مكة فُتِحَتْ عنوة، غير الشافعي، فإنه قال: فتحت صلحًا، ففي فتح مكة نزل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}.

  ولما ظفر بهم قالت العرب: إذا ظفر محمد بأهل الحرم، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل، فليس لكم به يدان، فكانوا يدخلون في دين الله فوجًا فوجًا.

  وكان الفتح لعشر بقين من شهر رمضان سنة ثمان.

  · المعنى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} يعني إذا نصركم الله على أعدائكم ومن ناوأكم، فأضاف المجيء إليه توسعًا، وهو بشارة من الله لنبيه بالنصرة. {وَالْفَتْحُ} قيل: فتح مكة، عن الحسن، ومجاهد، وقتادة، وأكثر المفسرين، وهو المروي عن ابن عباس. وقيل: فتح المدائن والقصور، عن يمان، وليس بالوجه. {وَرَأَيتَ النَّاسَ} قيل: العرب، عن الحسن. وقيل: أهل اليمن، عن مقاتل، وعكرمة. {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ} أي: الإسلام {أَفْوَاجًا} قيل: زمرًا زمرًا، عن مجاهد. {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} يعني إذا أنعم عليك بهذه النعم فاشكر الله، وَنَزِّهْهُ عما لا يليق به بأن تحمده على هذه النعم، وتصفه بصفاته. وقيل: تنزهه عن أن تضيف نعمه إلى غيره، أو تضيف إليه قبيحًا. وقيل: فصلِّ لربك شكرًا. وروي أنه لما فتح مكة صلى ثماني ركعات في وقت الضحى لما أمره الله به. {وَاسْتَغْفِرْهُ} أي: اطلب المغفرة.

  ومتى قيل: أي اتصال لهذا بالنصر والفتح؟

  قلنا: النعمة تقتضي القيام بحقها، وهو شكر المنعم وتعظيمه، والائتمار لأمره، والانتهاء عن معاصيه، فكأنه قيل: حدث أمر يقتضي الشكر والاستغفار.

  واختلفوا، فقيل: استغفر من صغائر ذنوبك عند تذكرها لتنافي الإصرار. وقيل: استغفر على جهة التسبيح، وإن لم يكن ثَمَّ ذنب، وهذا هو الوجه. وقيل: استغفر من