التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل أعوذ برب الفلق 1 من شر ما خلق 2 ومن شر غاسق إذا وقب 3 ومن شر النفاثات في العقد 4 ومن شر حاسد إذا حسد 5}

صفحة 7601 - الجزء 10

  · النزول: قيل: إن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر رسول الله ÷ حتى مرض، فجاء الملَك، وهو بين النائم واليقظان فأخبره بذلك، وأنه في بئر، وبعث عليًّا والزبير وعمارًا، فنزحوا ماء البئر، فوجدوا صخرة، فرفعوها وأخرجوا منها شيئا عقدوا عليها، وغرزوا بالإبرة، فأنزل الله تعالى السورتين، فقرئ عليه، فوجد خفة، كأنما أنْشِطَ من عقال، وجعل جبريل يُعَوِّذه، ورووا ذلك عن عائشة وابن عباس.

  وروي أن بنات لبيد بن الأعصم سحرنه، ونحن لا ننكر أن يكونوا سحروه، وعقدوا له تلك العقد، واعتقدوا أنهم يؤثرون فيه، كما يعتقده كثير من جهال الناس الآن، والذي ننكره أن يكون المرض منهم، ومن تأثيرهم، ولو قدورا على ذلك لقتلوه، وقتلوا كثيرًا من المؤمنين لشدة عداوتهم لهم، ولأن القادر بقدرة لا يصح أن يفعل إلا بمماسة، ولم توجد؛ لأن المرض على ما يصفونه ليس بمقدور للبشر.

  ومتى قيل: الله أمرضه عقيب فعلِهم؟

  قلنا: وهذا لا يصح؛ لأن فيه تنفيرًا وإيهامًا أن المرض جعل بفعلهم، وقد نفى الله تعالى عنه ذلك بقوله رَدًّا على الكفار حين قالوا: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}⁣[الإسراء: ٤٧] ثم قال: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ}⁣[الإسراء: ٤٨] الآية، ويجوز أنهم فعلوا ذلك على حسب اعتقادهم، وأخبر به رسول الله ÷ فأمر من يخرجه، فكانت معجزة له، وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}⁣[المائدة: ٦٧]، وقال: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}⁣[طه: ٦٩]، فكيف تنفذ حيلهم مع هذا.

  · المعنى: «قُلْ» قيل: كل موضع من القرآن فيه {قُلْ} فإنه يقدمه سؤال كقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ}، ونظائرها، والخطاب لرسول الله ÷، أي: قل يا محمد، والمراد. جميع أمته. «أَعُوذُ» أمتنع وأعتصم «بِرَبِّ الْفَلَقِ» قيل: الفلق الصبح، ومنه: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ}⁣[الأنعام: ٩٦]، عن ابن عباس، وجابر، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، ومحمد بن كعب، وابن زيد، وأبي علي، وأبي مسلم. وقيل: الفلق: شجر