قوله تعالى: {قل أعوذ برب الناس 1 ملك الناس 2 إله الناس 3 من شر الوسواس الخناس 4 الذي يوسوس في صدور الناس 5 من الجنة والناس 6}
  وَالنَّاسِ» يعني الوسواس يكون مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، عن أبي مسلم. وقيل: بَيَّنَ تفسير الخناس بأنهم مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، فسمى الجِنَّة أيضًا ناسًا كما سماهم رجالاً في قوله: {يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ}[الجن: ٦].
  · الأحكام: السورة تتضمن أحكامًا:
  منها: وجوب الانقطاع إليه تعالى، والاستعاذة به من كل شر، ومن شر ما يلحق العبد من المكاره ليدفعها عنه، وهذا إنما يصح على مذهب أهل التوحيد والعدل، حيث اعتقدوا أن كل خير منه، وأن الشر من غيره، وبه يندفع، فأما على مذهب الجبر، فكل شر منه فكان يجب التعوذ منه.
  ومنها: أن الشر ليس من خلقه.
  ومنها: أن التحرز من شياطين الإنس والجن واجب، لكن من الجن يجب أن يكون أشد؛ لأنه لا يُرى.
  ومنها: أن التعوذ في أمر الدين والدنيا واجب، ومن الفريقين الجن والإنس، فيدخل فيه رؤساء الضلالة، وعلماء السوء، وأهل البدع؛ إذ لا ضرر أعظم من ضررهم.
  ومتى قيل: كيف توسوس الجِنُّ في الصدر؟
  قلنا: تكلمه بكلام خفي يصل إلى قلبه، وقيل: له آلة وطريق توصل الكلام إلى قلبه، فأما من يقول: يدخل القلب، أو له خرطوم يدخل القلب فبعيد.
  ومتى قيل: فَلِمَ خلق إبليس إذا أمر بالتحرز عنه؟
  قلنا: خلقه كخلق سائر الكفار وغيرهم؛ لأنه تعالى خلقهم للعبادة، فما يوجد منهم من الكفر والضلال لا تعلق لذلك بخلقه تعالى، وكان أبو علي يقول: لا يضل به إلا ويضل مع عدمه، وأبو هاشم يقول: يجوز أن يضل بدعوته، ويجب التحرز منه.
  (فصل) قد أنجزنا ما وعدنا، وأتينا على جملة من علوم القرآن بحسب الإمكان،