التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير 233}

صفحة 939 - الجزء 2

  طلب نفقة فوق الوسع، أو طلب النكاح، أو خوف الضيعة «فلا جُنَاحَ عَلَيكُمْ» أي لا حرج عليكم ولا ضيق في ذلك «إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ» قيل: أجرة الأم بمقدار ما أرضعت، عن مجاهد والسدي، وقيل: أجرة المسترضعة، عن سفيان، وقيل: سلمتم للاسترضاع عن تراض واتفاق دون الإضرار، عن ابن شهاب، وقيل: أجرة الأم والصبي، عن ابن جريج «وَاتَّقُوا اللَّهَ» يعني اتقوا معاصيه وعذابه في مجاوزة ما حد لكم «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» يعني عليم بأعمالكم فيجازيكم بحسبه.

  · الأحكام: في الآية أحكام عقلية وأحكام شرعية:

  أما العقلية: فدلالة قوله: «لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا» على أن الاستطاعة قبل الفعل، وأنه إذا لم يكلف مع عدم الجِدَةِ، فَلَأَنْ لا يكلف مع عدم القدرة أولى؛ لأن في الموضعين لا سبيل له إلى ما كلف.

  ومنها: ما يدل أن فعل العبد فعله؛ إذ لو كان خلقًا له تعالى لم يكن وسعه.

  ومنها: يدل على حسن نظره تعالى لعباده، وأنه يفعل لهم الأصلح حيث جعل التربية للأم؛ لأنها أشفق وأهدى للتربية، وجعل النفقة على الأب؛ لأنه أقدر عليها، فإذا بلغ سن البنت حال البلوغ، فالأب أولى؛ لأن هذه حالة التزويج، وهو أهدى، وإذا بلغ سن الابن سبع سنين فالأب أولى؛ لأنه حالة التأديب.

  ومنها: تدل على المنع من الإضرار بالغير، ويستوي فيه القريب والبعيد، والطفل والبالغ.

  وأما الأحكام الشرعية: فيدل قوله: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ» على أن للأمهات اختصاصًا في الرضاع، وذلك أنها إذا أرضعت فليس للأب انتزاع الولد منها.