التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير 233}

صفحة 940 - الجزء 2

  ويدل قوله: «حَوْلَينِ» على توقيت بهذه المدة، وتدل على أنه ليس بحتم؛ لذلك شرط إرادتهما إتمام الرضاعة، واختلفوا في مدة الرضاع التي توجب التحريم؟

  فقيل: حولين، عن أبي يوسف ومحمد وأبي علي، وهو قول الأكثر، وقيل: حولين ونصفًا عن أبي حنيفة؛ لأن الصبي يختلف حاله في الحر والبرد فيزيد ستة أشهر استظهارًا، وقيل: ثلاثة أحوال، عن زفر؛ لأنه الوقت الذي تزول الحاجة إلى اللبن في الأغلب، وروي عن عائشة أن رضاع الكبير يُحَرمُ، والفقهاء كلهم على خلافه.

  وتدل على أن الفصال قبل الحولين لا يجوز إلا بتشاور وتراضٍ، وفائدة المشاورة النظر في حال الصبي، فربما كان بحال يحل به الفطام قبل الحولين، وربما كان بخلافه فينقصان ويزيدان بحسب مصلحة الصبي.

  وتدل على أن لكل واحد منهما حقًّا في الرضاع لذلك اعتبر تراضيهما، ولأنه لا تهمة عليهما في حق الولد فبتراضيهما بعد المشاورة تتكامل المصلحة، وتدل على أن ما يحتاج إليه الولد فهو على الأب؛ لأن الرضاع من أشد ما يحتاج إليه، ثم جعل ذلك عليه، وهي النفقة في الزوجات والأجرة في الأجنبيات، ولا يقال: إنها نفقة الزوجية؛ لأنها قد تكون مطلقة، ولم يفصل بينها وبين الزوجة فدل أنها لمكان الرضاع، ويدل قوله: «بالمعروف» على المنع من السرف والتقتير، وهذا إذا لم يكن للولد مال، فإن كان له مال فنفقته وأجرة الرضاع في ماله، وليس هذا كنفقة الزوجية؛ لأن نفقة الرحم للحاجة، وهي بر وصلة، ونفقة الزوجية بمنزلة المعاوضة، غير أنه إذا كان له مال فالأب مخاطب بإنفاق ماله عليه، فكذلك الولي، وإن لم يكن له مال ينفقه من مال نفسه ففي الحالين الأب مخاطب بالإنفاق.