التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون 17}

صفحة 265 - الجزء 1

  عَصَانِي إِلَيْهَا القَلْبُ إِنِّي لِأَمْرِهِ ... مُطِيعٌ فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلاَبُهَا

  يعني: أَرُشْدٌ أم غَيّ، فحذف للإيجاز.

  و (ما) في قوله: {مَا حَولَهُ} صلة، وتقديره: فلما أضاء تحوله، و (حوله) نصب على الظرف.

  · النزول: قيل: نزلت في المنافقين، عن ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي ومقاتل، وقيل: نزلت في اليهود، آمنوا بالنبي ÷ قبل البعث، وهاجروا من الشام إلى أرض العرب توقعًا له، واستفتحوا به، فلما بعث كفروا به، وهم: قريظة والنضير وبنو قينقاع، عن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب وعطاء.

  · المعنى: لما تقدم ذكر المنافقين، وأنهم نافقوا ليسلموا من القتل ضرب اللَّه تعالى لهم مثلا فقال: «مَثَلُهُمْ» قيل: شَبَهُهُمْ، أي شبه المنافقين لما أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، وقيل: شبه اليهود في إيمانهم بمحمد قبل البعث، ثم كفرهم به بِمُسْتَوْقِدٍ نارًا، ثم طفئت ناره، عن سعيد بن جبير وعطاء، «كمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا» يعني أوقدها وأشعلها «أضاءت» أنارت «مَا حَوْلَهُ» طفئت النار، و «ذَهَبَ اللَّه بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ».

  ومتى قيل: كيف شبههم وهم جماعة بالذي استوقد، وهو واحد؟

  قلنا: للعلماء فيه أقوال:

  الأول: (الذي) في معنى الجمع، كقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} قال الشاعر:

  وَإِنَّ الَّذِي حَاَنت بِفَلْجٍ دمَاؤُهُمْ ... هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمَ يَا أُمَّ خَالِدِ