قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون 17}
  والثالث: أراد بالمستوقد الجنس؛ إذ ليس المراد تعريف واحد بعينه؛ لإيهام (الذي)، وعلى هذا يكون جواب «مَا حَوْله» محذوفًا، كأنه قال: طفئت، فالضمير في قوله: «بنورهم» يعود إلى المنافقين.
  الرابع: أراد مثلهم كمثل أَتْباع الذي استوقد نارًا، فحذف المضاف، وأقام المضاف اليه مقامه، قال الشاعر:
  وَكَيْفَ تُوَاصِلُ مَنْ أَصْبَحَتْ ... خِلاَلَتُهُ كَأَبِي مَرْحَبِ
  القائل هو النابغة بن جعدة، والخُلَّةُ والخلالة الصداقة التي ليس فيها خلل، وأبو مرحب كناية عن الظل، يريد أنها تزول كما يزول الظل لا تبقى له مودة.
  أي كخلالة أبي مرحب، وقيل: افتتح الآية بالجمع ثم وحد المستوقد، ثم ختم بالجمع؛ لأن الرفقة جماعة، والمستوقد يكون واحدًا، ومنفعة النار تحصل لجماعتهم، وبالإطفاء تذهب منافعها لهم وضررها عليهم، فهذا وجه جائز.
  متى قيل: ما وجه تشبيه حال المنافقين بالمستوقد نارًا؟
  قلنا: حال المنافقين كحال مسافر ضَلَّ الطريق، وحير في الظلمة فاستوقد نارًا، فلما أضاءت وأبصروا انطفأت نارهم فبقوا في ظلمات متراكمة؛ لأن أبلغ ما يكون من الظلمة إذا خُرِجَ من النور إليها، كذلك المنافقون في ظلم الكفر والشك، وخافوا القتل والسبي، فأظهروا كلمة الإيمان غير معتقدين طلبًا للسلامة، فلما ظنوا أنهم خدعوا رسول اللَّه ÷ والمؤمنين أطلع اللَّه رسوله على نفاقهم، فأمر بتغليظ القول فيهم، وبهجرانهم، وترك الصلاة عليهم، وبين أنهم في الدرك الأسفل من النار، فخمد نورهم، وبطل سعيهم، وصاروا في ضلالتهم متحيرين. وقيل: لما أظهروا الإيمان شاركوا المؤمنين في الغنيمة والأحكام وأَمِنوا فلما ماتوا وقعوا في العذاب، ولم ينتفعوا بإيمانهم، كما لم ينتفع هذا المستوقد وأتباعه بنارهم، عن ابن عباس وقتادة وجماعة.