التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب 37}

صفحة 1152 - الجزء 2

  و (زكريا) رفع لأنه فاعل، و (المحراب) المفعول.

  · المعنى: لما تقدم ذكر نذر أم مريم ودعائها واستعاذتها بَيَّنَ تعالى بعده ما قابلها من حسن الإجابة، فقال تعالى: «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا» أي قَبِلَ نَذْرَها قبول رضًا، وهو أن جعلته محررًا، ولم يقبل قبلها أنثى في ذلك المعنى، وقيل: تكفل بها في تربيتها والقيام بشأنها، عن الحسن، وقبوله إياها أنه ما عَرَتْهَا عِلَّة ساعة من ليل ولا نهار «بِقَبُولٍ حَسَنٍ» قيل: في كونها محررة، وقيل: في تربيتها، وقيل: سلك بها طريق السعداء، عن ابن عباس «وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا» قيل: خلقًا سويًا تنبت في يوم ما ينبت غيرها في عام، وقيل: أنبتها في رزقها وغذائها حتى تمت امرأة بالغة «وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا» على القراءة بالتشديد معنى ضمها اللَّه تعالى إلى زكريا ليقوم بها، وبالتخفيف ضمها زكريا إلى نفسه، قيل: إن أم مريم أتت بها ملفوفة في خرقة إلى المسجد، وقالت: دونكم النذيرة، فتنافست فيها الأحبار؛ لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم، فقال زكريا: أنا أحق بها؛ لأن خالتها عندي فأبوا، واتفقوا أن يقترعوا فمن خرجت قرعته أخذها، فانطلقوا وهم تسعة وعشرون رجلاً إلى نهر الأردن عن السدي فألقوا أقلامهم فيها، فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورست أقلامهم، عن ابن إسحاق وجماعة، وقيل: جرت أقلامهم ووقف قلمه، عن السدي فأخذها زكريا، وقيل: ضمها إلى نفسه وبنى لها بَيتَّا واسترضع لها، وقيل: ضمها إلى خالتها حتى بلغت مبلغ النساء، فبنى لها محرابًا، وكان هو الذي يفتح الباب ويغلقه، وكان يأتيها بطعامها وما تحتاج إليه بنفسه كل يوم، وقيل: ضمها إلى غيره لما ضعف، فكان ذلك الرجل يرزق بمكانها «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ» كل يوم بعد أن بلغت «وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا» قيل: طعامًا لم يؤده هو، وقيل: فاكهة الصيف في الشتاء، وقيل: فاكهة الشتاء في الصيف، عن ابن عباس والضحاك ومجاهد وقتادة والسدي وابن إسحاق، وقيل: حمل إليها الأطعمة بخلاف العادة لئلا يرتاب بها، وقال الحسن: تكلمت في المهد ولم تلقم ثديًا قط، وإنما كان