قوله تعالى: {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب 37}
  يأتيها رزقها من الجنة «قَال يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا» يعني من أين لك هذا «قَالتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» قيل: من الجنة، وكان ذلك بدعوة زكريا لها بالرزق في الجملة، وكانت معجزة له، عن أبي علي، وقيل: كانت تأسيسًا لنبوة عيسى #، عن أبي القاسم، وقيل: كان يجوز أن يأتي لها بعض عباد اللَّه الَّذِينَ سخرهم لها بلطفه من غير معجزة، عن أبي علي «إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ» يحتمل أن يكون هذا حكاية عن مريم، ويحتمل أن يكون كلام اللَّه تعالى على الاستئناف والابتداء، وهو الأولى، وهو قول الحسن، ومعنى «يَرْزُق» يعطي من يشاء من عباده، «بِغَيْرِ حِسَابٍ» قيل: بغير حساب الاستحقاق على العمل، بل هو تَفَضُّلٌ يبتدئ اللَّه به، وقيلَ:
  بغير تقتير.
  · الأحكام: تدل الآية على أن مريم كان يأتيها الرزق من عند اللَّه، والأولى بالظاهر أنه لا واسطة؛ لأنه حقيقة ليكون لتخصيصها فائدة وتكون معجزة لزكريا، ولو كانت معجزة له لِمَ قال: «أَنَّى لَكِ هَذَا» الآية؟، يحتمل أنه قال ذلك ليعرفها ذلك، ويحتمل أنه كان أخبرها بحصوله، فأراد أن يعرف وقت حصوله ليكون موافقًا لخبره، ويحتمل أن يكون قال ذلك إخبارًا لتعلم حالها وتبلغ شكرها، وتدل على أن معجزة الرسول يجوز أن تظهر على غيره، ولكن لا بد أن يكون له بالرسول تعلق إما بإخباره أو بدعائه أو نحو ذلك ليختص به.
  ولا يقال: مع أن الرزق يأتيها فما معنى تكفل زكريا؟
  قلنا: لأنها وصلت إلى ذلك بدعائه، وكان هو المتولي لذلك، وكانت فارغة للعبادة مسلمة نفسها، وكان زكريا تكفلها صغيرة وناشئة.
  وتدل على أن الرزق غير مستحق، وإنما هو موقوف على مشيئته بحسب ما يرى من المصلحة.