التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء 38 فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين 39}

صفحة 1157 - الجزء 2

  الأول: لأنه كان بكلمة اللَّه من غير أب من ولد آدم.

  الثاني: لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بكلامه تعالى، وخصه به وإن كان غيره يشاركه فيه كالخليل والكليم.

  والثالث: لأنه تقدم البشارة به في الكتب، فلما ولد قال هو تلك الكلمة، يعني الموعود، وكان يحيى أول من آمن بعيسى وصدقه، وهو أكبر من عيسى بستة أشهر، ثم قتل يحيى قبل رفع عيسى، وقيل: غير ذلك.

  «وَسَيّدًا» قيل: بالعلم والعبادة، عن قتادة، وقيل: بالحلم والتقى وحسن الخلق، عن الضحاك، وقيل: سيدًا للمؤمنين بالرياسة عليهم، عن أبي علي، وقيل: سيدًا في الدين، عن المفضل، وقيل: الكريم عن مجاهد، وقيل: الذي يطيع ربه، عن سعيد بن جبير، وقيل: الشريف الكبير، عن ابن زيد، وقيل: مطاعًا، عن الخليل، والجميع يرجع إلى أصل واحد، وهو أنه أهل لتمليكه بتدبير من يجب عليه طاعته لما هو عليه من هذه الأحوال «وَحَصُورًا» قيل: هو الممتنع من الجماع، وقيل: الذي لا يأتي النساء، عن الحسن وقتادة وابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير والسدي وابن زيد يعني يحصر نفسه عن الشهوات، أي يمنعها، وقيل: هو العنين الذي لا ماء له، عن سعيد بن المسيب والضحاك، قال ابن المسيب: وكان معه مثل هدبة ثوب، والأول الوجه؛ لأنه مدح له، وقيل: الحصور الذي لا يدخل في اللعب والأباطيل، عن المبرد «وَنَبِيًّا» يعني رسولاً شريفًا رفيع المنزلة «مِنَ الصَّالِحِينَ» من جملة الأنبياء والصالحين، وإنما قال: (من الصالحين) لأنه قيل: لأنه من بينهم لم يقع منه ذنب، فخص بذلك، وقيل: لأنه ظهر صلاحه، وقيل: النبوة: تأسيسا للنبوة، وقيل:

  فيه إضمار واو أي «ومن الصالحين».

  · الأحكام: تدل الآية على أن زكريا لما رأى تلك المعجزات طمع في الولد وإن كان يعلم