التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء 40 قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار 41}

صفحة 1160 - الجزء 2

  · المعنى: لما أتت زكريا البشارة بالولد مع كبر سنه «قَال رَبِّ» قيل: هو خطاب لله يعني يا رب، وقيل: هو خطاب لجبريل #، ومعناه يا سيدي كما يقال: رب الغلام «أَنَّى يَكُونُ لِي غلام» قيل: معناه على أي حال يكون لي الولد أتردني إلى حال الشباب وامرأتي على حال الكبر فقيل له ذلك «كَذَلِكَ» أي على هذه الحال، تقديره: كذلك يكون، وأنت على هذه الحال، واللَّه يفعل ما يشاء عن الحسن والأصم، وقيل: هو استعظام لمقدور اللَّه تعالى، والتعجب الذي يظهر على الإنسان عند ظهور آية عظيمة استبعد من جهة العادة لا من جهة القدرة، وقيل: لم يعرف أنه يرزق الولد من جهة البنين أم من صلبه، فأراد أن يعرف حقيقة ذلك، وقيل: أراد بذلك التعجب بأن يجيبه اللَّه تعالى إلى مراده فيما دعا، وأنه كيف استحق ذلك، وزعم بعضهم أنه لما بشرته الملائكة ووسوس إليه الشيطان بأنه ليس بوحي فشك، وهذا لا يجوز على الأنبياء؛ لأنهم يفرقون بين كلام الملك ووسوسة الشيطان، ولأنه كان معجزًا لا يقدر الشيطان على مثله، وتجل أحوال الأنبياء عن تلاعب الشيطان بهم «غُلاَمٌ» ابن «وَقَدْ بَلَغَنِي الْكبَرُ» معناه بَلَغْت الكبر وهو الشيب، وإنما جاز بلغني الكبر؛ لأن الكبر بمنزلة الطالب، فهو يأتيه بحدوثه فيه، والإنسان يأتيه بمرور الأيام عليه فيجوز بلغت الكبر، وبلغني الكبر، وقيل: إنه من المقلوب، عن الفراء وأبي عبيدة، ومعناه بلغت الكبر كما يقال: بلغني الجهد، كما يقال: بلغت الجهد، وقيل: بلغني أدركني وأضعفني ونال مني الكبر، واختلفوا في سنه يوم بشر بالولد، فقيل: كان ابن اثنتين وتسعين سنة «وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ» أي لا تلد «قَال كذَلِكَ اللَّه» قيل: كذلك الأمر بفعل اللَّه ما نبشرك به وأنت على حالتك من الشيب، وقيل: إنه قادر «يَفْعَلُ ما يَشَاءُ» «قَالَ» يعني زكريا «رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً» علامة، قيل: لوقت الحمل والولد ليتعجل السرور به، عن الحسن، وقيل: ليعلم العلوق فيها فإنه لا يعرف إلا بعد مدة، وقيل: أراد أن يعرف