التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء 40 قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار 41}

صفحة 1161 - الجزء 2

  ليتزيد في الشكر والعبادة، وقيل: أراد أن يفرض عليه طاعة يقوم بها شكرًا، عن أبي مسلم «قَالَ آيَتُكَ» أي علامتك، ويحتمل أن يكون القائل جبريل، ويحتمل أن يكون قاله اللَّه تعالى «أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثلاثة أَيَّامٍ» قيل: أَمْسَكَ على لسانه، فلم يقدر أن يكلم الناس إلا إيماء، عن الحسن وقتادة والربيع. وقيل: نُهِيَ عن كلام الناس ثلاثة أيام لا أنه حبس لسانه بدليل قوله: «وَاذْكُرْ»، وقيل: أراد به صوم ثلاثة أيام؛ لأنهم إذا صاموا لم يتكلموا إلا رمزًا، عن عطاء، وقيل: كان لا يقدر على الكلام ويقدر على التسبيح والتهليل، وذلك أبلغ في الإعجاز «إِلَّا رَمْزًا» قيل: إشارة، وقيل: تحريكًا بالشفتين، وقيل: بصوت خفي «وَاذْكُرْ رَبَّكَ كثيرًا» يعني في الأيام الثلاثة، وقيل: لما منع من الكلام لم يمنع من الذكر والتسبيح، وهو أبلغ في الإعجاز، وقيل: تعبد بترك الكلام، وتعبد بذكر التسبيح «وَسَبِّحْ» أي نزه اللَّه في القول والاعتقاد عن كل سوء، عن جماعة، واختاره القاضي، وقيل: صل لربك كثيرًا، والصلاة تسمى سبحة، عن الأصم «بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ» قيل: في أول النهار وآخره، وقيل: أراد به الدوام.

  · الأحكام: تدل الآية على معجزة وبشارة، أما المعجزة فحيث انطلق لسانه بالتسبيح ولم ينطلق بالكلام مع أن مخارج الحروف واحدة، وهذا جائز؛ لأن المنع من الكلام قد يكون بفساد آلة الكلام فَيَعُمّ، ويكون بمنع منه فيوجد عند مكالمة الناس ولا يوجد عند التسبيح، والمعجز أيضًا أنه نقض العادة بولد بعد مائة سنة، وعادتِ العاقر ولودًا، ومن المعجز بشارة الملائكة له، وأما البشارة فحيث بشر بالولد ووقت حمله، وأعلمه ذلك ليتعجل السرور به، ومن البشارة أن يبشر بصفات الولد، ومن المعجز أنه كان ذا نطق فذهب نطقه، وهو سَوِيُّ لا بأس به، ومنها: أنهما كانا عقيمين فولدت، فسبحان من يقدر على ما يشاء.