التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين 42 يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين 43 ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون 44}

صفحة 1163 - الجزء 2

  قلنا: رد على (ذلك)؛ أي: يوحي ذلك إليك.

  · المعنى: لما بَيَّنَ تعالى ذكر (يحيى) وخلقه بعد كِبَرِ أبويه أتبعه بما هو أعجب في الصنع، وأبدع من خلق عيسى، فقال تعالى: «وَإذْ قَالتِ الْمَلَائِكَةُ» أي واذكر إذ قالت الملائكة يعني جبريل لمريم، فأما ظهور الملك لمريم، وكلامه معها قيل: كان ذلك معجزة لزكريا #، وقيل: كان إرهاصا لنبوة عيسى، عن أبي القاسم، ولا يجوز أن يكون معجزة لها؛ لأن المرأة لا تكون نبية، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا} «يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ» اختارك بكلام الملائكة شفاهًا، وقيل: بالتفريغ للعبادة وقبولك محررًا، ولم تقبل أنثى غيرها «وَطَهَّرَكِ» قيل: من مسيس الرجال، وقيل: من الكفر بالإيمان، عن الحسن ومجاهد، والمراد أنه لطف لها حيث صارت كذلك، وقيل: من سائر الأدناس: الحيض والنفاس وغيرهما، عن الزجاج.

  «وَاصْطَفَاكِ» قيل: اختارك بعد ذلك بولادة عيسى من غير أب، عن أبي علي، وقيل: اختارك «عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» قيل: عالمي زمانها، عن الحسن وابن جريج، وقيل: على جميع نساء العالمين بحالة جليلة من ولادة المسيح من غير أب، عن أبي علي والزجاج «يَامَرْيَمُ اقْنُتِي» قيل: اخلصي «لِرَبِّكِ»، عن سعيد، وقيل: أديمي العبادة، عن قتادة، وقيل: أطيلي القيام في الصلاة، عن مجاهد «وَاسْجُدِي وَارْكَعِي» يعني صلي، وأصل الركوع والسجود الانخفاض إلا أن السجود أشد انخفاضًا منه، وقيل: اخفضي «مَعَ الرَّاكعِينَ» قيل: افعلي كفعلهم، وقيل: صلي بالجماعة، عن أبي علي «ذَلِكَ» يعني ما تقدم ذكره من حديث زكريا ويحيى وعيسى «مِنْ أنْبَاءِ الْغَيبِ» أخبار الغيب «نُوحِيهِ إِلَيكَ» نلقيه إليك لتعلمه «وَمَا كُنْتَ» أنت يا محمد «لَدَيْهِمْ» عندهم «إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ» قيل: كانوا يكتبون التوراة، فألقوا الأقلام التي كانت بأيديهم في الماء أيهم يكفل مريم، وقيل: أقلامهم: قداحهم للاقتراع «أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ» فيه حذف تقديره: لينظروا أيهم يكفل مريم، وقيل: أيهم تظهر قرعته ليكفل مريم، وقيل: هذا