التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين 42 يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين 43 ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون 44}

صفحة 1164 - الجزء 2

  تعجيب. من اللَّه تعالى لنبيه من حرصهم على كفالتها لفضلها عن قتادة قال: تشاح القوم عليها، فألقوا القداح، وقيل: تعجيب من تدافعهم لكفالتها لشدة الأزمة في زمانها حتى وفق لها خير الكفلاء زكريا #، وقيل: إنهم ألقوها في الماء تلقاء الجِرْيَةِ فاستقبلت قلم زكريا جرية، الماء مصعدة، وانحدرت أقلام الآخرين، وذلك معجزة له ورفعة لها، عن الربيع، وقيل: ارتفع قلمه فوق الماء وانحدرت أقلامهم ورسبت في النهر، عن ابن إسحاق وجماعة، وقيل: ثبت قلم زكريا وقام فوق الماء كأنه في طين وجرت أقلامهم مع جرية الماء فذهب بها الماء فسهمهم، عن السدي وجماعة «وما كُنْتَ» يا محمد «لَدَيْهِمْ» عندهم «إِذْ يَخْتَصِمُونَ» في تكفل مريم، وفيه تنبيه على أن التشاح [بينهم] بلغ إلى حد الخصومة.

  · الأحكام: الآية تدل على فضل مريم، وأنها أفضل نساء أهل زمانها، وقيل: تدل على أنها أفضل نساء ولد آدم، وقيل: الاصطفاء لا يدل على أنها أفضل إلا من حيث المعنى، وروي عن النبي ÷: «سيدة نساء العالمين أربع: مريم، وآسية، وخديجة، وفاطمة».

  ويدل قوله: «وَاسْجُدِي» على أنهم كانوا متعبدين بالصلاة كما تعبدنا نحن، وعن الأوزاعي: لما قالت الملائكة لها ذلك قامت في الصلاة حتى ورمت قدماها وسالت دمًا وقيحًا.

  ويدل قوله: «ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ» على معجزة لنبينا ÷، من حيث جاء بما لم يُعلم إلا بمشاهدة حال أو قراءة كتاب أو تعليم أو وحي، وقد بطلت الأوجه الثلاثة، فثبت أنه بوحي، وأنه معجزة له، وتدل على أن للقرعة مدخلاً في تميز الحقوق.