التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل 48 ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين 49}

صفحة 1173 - الجزء 2

  قلنا: فيه الخفض على البدل من (آية)، ويجوز الرفع على تقدير الآية أَّني أخلق.

  وقوله: «فَأَنفُخُ فِيهِ» يحتمل في الطين، ويحتمل في الطير، و «طيرًا» نصب لأنه خبر (كان) تقديره: فيكون الطير طيرًا.

  عد الكوفيون عند قوله: «الإنجيل» آية، ولم يعدوا عند «بني إسرائيل»؛ لئلا يكون استئنافًا وهناك [أن] المفتوحة، وأما المدنيون فلم يعدوا ذلك آية، طلبوا تمام صفة المسيح، وتقديره: ومعلمًا كذا ورسولاً «إنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ» مستأنف.

  · المعنى: لما ذكر تعالى بقية بشارة مريم، وصفة المسيح فقال: «وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ» قيل: الكتابة بيده، عن ابن جريج، وقيل: إنه تعالى قسم الخط عشرة أجزاء فجعل للخلق جزءًا ولعيسى تسعة أجزاء، وقيل: كتابًا آخر سوى التوراة والإنجيل نحو الزبور أو غيره، عن أبي علي، وهو أليق بالظاهر، وأشبه بالنبوة «وَالْحِكْمَةَ» قيل: العلم، وقيل: الإصابة من القول والعمل «وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ، وَرَسُولاً» قطع ههنا قصة ولادة مريم، وقصه في سورة مريم، وابتدأ بقصة عيسى # فقال: «وَرَسُولاً» أي ويجعله رسولاً «إِلَى بني إِسْرَائِيلَ» «وكان أول أنبياء بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى #» عن النبي، ÷. «أَنِّي» أي قال لهم لما بعث بأني «قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ» أي حجة وعلامة دالة على نبوتي فقالوا: ما هي؟ فقال: «إني» بالكسر على الاستئناف، وبالفتح أي بأني أخلق أقدر «مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ» كصورة الطير «فَأَنْفُخُ فِيهِ» أي في الطير الريح «فَيَكُونُ طَيرًا» حيًّا يطير، روي أنه قيل: أي الطير أعجب؟ قالوا: الخفاش يحيض ولا يبيض ويطير، مع عجيب خلقته، فأخذ طينًا، وهيأ صورة خفاش ونفخ فيه وطار والناس ينظرون إليه، فلما غاب عن أعينهم سقط ميتًا، «بِإِذْنِ اللَّه» تعالى يعني أنه يصير حيًّا بفعله؛ لأن الحياة وآلات الطيران لا يقدر عليها غير اللَّه تعالى، وإنما أحياه عند نفخ عيسى # معجزة له، فالنفخ والتصوير فِعْلُ عيسى فقط، وأما